البخيت غير محظوظ

انتهت القصة، على الأقل رسمياً، وسيبقى ملف الكازينو مفتوحاً شعبياً، لكن رئيس الوزراء معروف البخيت رفع عن نفسه شبهة الفساد في قضية ترخيص الكازينو. ومع أنه لم يتوقف يوماً عن الدفاع عن نفسه، إلا أن حكومته هي التي منحت الترخيص، وهي التي سحبته بعد ذلك. وكان واضحاً منذ البداية أن الاتهام لن يصل إلى الرئيس مهما كانت الحيثيات، ومجلس النواب بات معروفاً للجميع بأنه أضعف من أن يصل في عمله الرقابي إلى مرحلة المساءلة الحقيقية، لأن لتلك المرحلة كلفتها السياسية العالية التي لا يقدر عليها "مجلس 111"، ومجلس الدوائر الوهمية.
الشيء الجديد في العمل السياسي الرسمي أن تصل الأمور إلى مرحلة النقد العلني من قبل الأوساط الرسمية، ومن رؤساء مؤسسات على رأس عملهم، مثلما فعل رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري، ورئيس مجلس النواب فيصل الفايز، عندما وجّها نقداً لاذعاً لرئيس الحكومة معروف البخيت.
نعم النقد يوجَّه للبخيت من المصري الذي يقال بحسب موقع "عين نيوز" الإخباري إنه نصح الرئيس بالاستقالة مرتين؛ الأولى بعد تفجير قضية تهريب خالد شاهين، حيث أبلغه بأن إقالة وزيري العدل والصحة لا تكفي، وأن المطلوب رأسه شخصياً؛ والمرة الثانية كانت بعد إحالة ملف الكازينو إلى البرلمان، متضمناً قرار لجنة التحقيق بإدانته، وقال المصري للبخيت: "يا باشا.. من غير المقبول أن تواجه ثلاث قضايا مهمة، وكلها تجيب عنها بأنك لا تعرف وغير مسؤول".
أما نقد الفايز فقد جاء في حديث له مع مراسل قناة "العربية"، وقال فيه "إنه لو كان محل رئيس الوزراء معروف البخيت في إطار فضيحة الكازينو فإنه سيتحمل المسؤولية"، مع أن كل ما قام به الفايز في جلسة الكازينو الأولى دل على محاولته تطويق الجلسة وحماية الرئيس من هجوم النواب.
هذا السلوك السياسي في النقد المباشر لرئيس السلطة التنفيذية غريب على المؤسسة الرسمية الأردنية، مع أنه مطلوب، ويتماشى مع السلوك العربي الجديد الذي تفجر مع أجواء الربيع العربي الذي رفع مستوى النقد والمعارضة، وأصاب أيضاً العاملين في مفاصل السلطة الرسمية.
النقد داخل مفاصل السلطة يدل بوضوح على أن دوائر عديدة غير راضية عن أداء الحكومة، ويدل أيضاً على أن الحماية المعنوية التي تتمتع بها هذه الحكومة لم تعد موجودة، وقد افتقدنا طويلاً إلى هذه الممارسة السياسية النقدية من داخل السلطة ذاتها، حيث كانت الأمور دائماً تعالج بغض النظر عن وجود توازنات أو خلافات أو تناحرات داخل السلطة الحاكمة.
يوماً بعد يوم، يثبت البخيت أنه ليس محظوظاً، ولا يدري من أين يواجه النقد؛ من الشارع الرافض لكل ما تقوم به الحكومة، أم من الفاعليات السياسية والشعبية والحزبية التي غسلت أيديها من قدرة البخيت على فعل شيء قبل التعديل الوزاري أو بعده.
البخيت غير المحظوظ نهائياً تتفجر المشكلات من بين يديه، ومعظمها من صنع يديه، بدءاً من قضية خالد شاهين، وقضية إعادة هيكلة القطاع العام، والتشريعات المقيدة للحريات الإعلامية، التي جاءت في زمن لا أحد يحتمل فيه المساس بالحريات العامة فكيف بحرية الرأي والتعبير. وأقل المشكلات الآن تقتحم أيامه، وتصب على نارها بنزيناً كتفجير أنبوب الغاز المصري، ما يضعه في خانة التفكير برفع جديد لأسعار المحروقات الذي سيكون ضربة قاسية لحكومته إن هي أقدمت على هذا القرار، الذي تناقشه منذ أيام.

اضافة اعلان

[email protected]