البدانة والتلفزيون

ربما قد آن الأوان للنظر بكثير من المسؤولية والاستيعاب، تجاه التعامل مع حالة البدناء في مجتمعاتنا، من قبل الأعمال المعروضة على الشاشة الصغيرة.
فمنذ مدة طويلة اعتاد المشاهد العربي، والأجنبي بالمناسبة، على التعاطي مع صورة نمطية لأصحاب الأوزان الكبيرة، كمساحة كوميدية جاهزة وسلسة ومتقبلة مجتمعيا. يقع على كاهل أشكالهم وقياساتهم الواسعة ثقل الفقرات التي تعد متنفسا خفيف الظل، يقوم على السخرية من مظهرهم ولباسهم وطريقة كلامهم، وهذه الأخيرة بالفعل تدعو للتوقف قليلا، لأنها تعكس أنماطا خيالية في أسلوب الكلام ومخارج الحروف، لا تشبه الحقيقة أبدا.اضافة اعلان
الصورة التي كانت وما تزال تستخدم البدناء كوسيلة للتسلية الرخيصة، في مشاهد الدراما والسينما، خلال عقود من الإنتاج والبث، بدأت ترمي بثقلها على عالم الإعلانات أيضا، في سباق غير مفهوم نحو الاستهزاء بأصحاب الأوزان الثقيلة، وكأنهم وفوق وضعهم الخاص ذاك، كان ينقصهم فقط حشرهم في تلك الزاوية المتحجرة البائسة.
ثم إن الأمر الذي كان محصورا في الكبار، حتى وقت قريب، أصبح يتجرأ على مشاعر الأطفال ويؤذيها في الصميم، متخذا أمثلة لبنات وأولاد صغار في السن، تحولوا إلى أضحوكة صناعية معلبة، بدون الالتفات إلى مشاعر الأطفال الآخرين ممن يعانون من ظاهرة البدانة، أو لأحاسيس أهاليهم المنهكة أصلا من تبعات هذا الداء، الاجتماعية والطبية والمالية.
وهنا لا أستغرب فقط من صناع الدراما والإعلانات اللامبالين بأبسط قواعد المواثيق الإعلامية والفنية. بل يتخطى الاستغراب منطقة الأسرة، التي ترضى على ابنها الظهور في لقطات أو مشاهد تسخر من شكله وحركته، أو بالتحديد تقوم على فكرة السخرية منه وحسب، من أجل حفنة دنانير!
وفوق ذلك كله، إلصاق صفة خفة الظل على البدناء، كجزء لا يتجزأ من تركيبتهم الفيسيولوجية، رغم أنها أصبحت حقيقة واقعة لا أعرف شخصيا إن كانت متأثرة من الصور الذهنية التي صنعتها الدراما، أم أن تلك الأخيرة هي التي تنقل الواقع. وبالحديث عن الواقع لا شك أن استسهال فرضية أن البدناء جميعا “فشتهم عايمة”، يشكل بحد ذاته عليهم ضغطا كبيرا، يضاف إلى الضغوط الحياتية الطبيعية، لأنهم مطالبون طوال الوقت برسم الابتسامة العريضة، وإلقاء النكات لو على أنفسهم!
وليس اكتشافا أن السمنة أو البدانة تعد في القاموس الطبي واحدة من الحالات المرضية الأكثر شيوعا تستدعي دائما البحث عن حلول علاجية، سواء دوائية أو جراحية أو سلوكية، لتجنب أمراض أكثر خطورة كالسكري والضغط وأمراض القلب لا سمح الله. بمعنى آخر، الموضوع لا يحتمل أن يدرج في خانة الضحك والكوميديا، بقدر ما يحتاج إلى توعية جادة ومكثفة لمكافحتها، كما فعل النجم أحمد حلمي مثلا في فيلمه الجميل “إكس لارج”.
والأهم برأيي، أن التعامل مع البدناء كظرفاء البيت والمدرسة والشارع والجامعة، يكرس تقبل مرضى البدانة من الأطفال والمراهقين خاصة، لأوضاعهم وأشكالهم طالما ستحلها نكتة من هنا، أو مزحة من هناك، فلا يأخذون اقتراحات العلاج بجدية وإصرار.
لهذا، ولغيره من المسببات الأخرى الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وعلى غرار رفض التمييز العنصري أو الديني أو المناطقي أو الطائفي، في الأعمال الثقافية والفنية والإعلامية، فإن النظر بعين الرعاية والمسؤولية تجاه المصابين بالسمنة وبالأخص الأطفال، في صناعة الإعلان المدفوع والمسلسلات، صارت واجبة ولازمة.