البرامج العلمية وغياب المعنى والجدوى

منذ سنوات طويلة، لم أذهب إلى عزاء أو عرس أو جاهة أو مؤتمر أو ندوة، ولا شاركت في الأعياد وزياراتها، ولا المناسبات والزيارات والمجاملات الاجتماعية والشخصية، إلا في حالات قليلة محدودة يصعب التغيب عنها. وكثير من أقارب الدرجة الأولى لم أزرهم منذ سنوات، برغم كثير من المناسبات الاجتماعية.اضافة اعلان
لدي موقف أيديولوجي من الجاهات والعزاءات، وأظن أنها ظاهرة يجب القضاء عليها. أما بشأن المناسبات الاجتماعية، فأعترف بأنني مقصر، وعذري هو كثرة أعباء الكتابة التي لا تدع لي وقتا. والمشكلة أنني بعد كل هذه العزلة، مقصر تجاه التزاماتي المهنية على نحو مزعج يثقل على ضميري. بالطبع، هناك هدر كبير في الوقت ما يزال خارج السيطرة، بسبب أساليب العمل والعلاقات في حياتنا اليومية.
ولكن ما يحيرني هو كيف يجد المسؤولون في البلد كل هذا الوقت للمشاركة في الجاهات والعزاءات والمناسبات، إذا كان واحد مثلي، "غلبان" وفي طرف الدولة والمجتمع، لا يجد وقتا، ويشعر بتقصير كبير تجاه عمله والتزاماته المهنية؟! كيف يجد النواب والأعيان والوزراء والمدراء والمسؤولون كل هذا الوقت لمشاركات اجتماعية ليس لها قيمة ولا مبرر، ويجب أن يستحي من المشاركة فيها مختار عشيرة لا يزيد عدد أفرادها على ثمانين شخصا، بل وحارس العمارة؟!.. كيف يستطيع "من هبّ ودبّ" حشد معظم مسؤولي الدولة الحاليين والسابقين، على عشاء أو جاهة؟
ليس المحير فقط الخواء والهدر في العملية، وفقدانها الجدوى والمعنى والمبررات؛ إنما ما أزال متحيرا من أين وكيف يجد هؤلاء الوقت لأداء أعمالهم.. إن كان لديهم عمل!
وبمناسبة الحديث عن الجاهات والدعوات الاجتماعية، فإنه، وللأمانة وللتاريخ، معظم المؤتمرات والندوات والمحاضرات العلمية والثقافية لا تختلف عنها في شيء تقريبا، وتزيد عليها أنها، في أحيان ليست قليلة، اسم حركي للسياحة والعلاقات الشللية؛ المدفوعة تكاليفها من الأموال العامة، سواء كانت من أموال الضرائب، أو من المنح والتبرعات المفترض أنها ايضا أموال عامة وموجهة للتنمية.
ترى في الندوة الفكرية عشرين شخصا على الأكثر، وفي أحيان كثيرة خمسة أو ستة أشخاص، بمن فيهم المنظمون. لكن على الغداء، ترى ثمانين شخصا، يدخلون -ما شاء الله عليهم- في حوار فكري وعلمي جاد ومهم (على الغداء)، ويشاركهم أولادهم وأصدقاؤهم الذين جاءوا معهم؛ كأن الأخ أخبر أسرته وأصدقاءه عن دعوة شخصية هو صاحبها! وبعد الغداء، تُستأنف الندوة من غير أحد! وإذا قلت شيئا على مسمع المنظمين، يؤكدون لك أن الحضور كبير، وأن الندوة مهمة جدا، ويعاملونك كأنك عدو!
طبعا أنت عدو إذا تكلمت شيئا عن جدوى ومعنى البرنامج الذي يساوي عدمه. ولكن هناك جدوى ومعنى للخمسة والسبعين في المائة من ميزانية البرنامج التي اقتطعت تحت بنود وفواتير وهمية.

[email protected]

gharaibeh48@