البرامج تحتاج فكرا

سميح المعايطة ما دمنا في مرحلة بناء أحزاب جديدة وتكييف أوضاع الأحزاب القديمة مع القانون الجديد فإن الضرورة تقتضي أن نتوقف عند رأي يدعو لبناء أحزاب برامجية وليست فكرية أو عقائدية، وهي دعوة تبدو وكأنها تؤكد فك الارتباط بين البرامج والفكر أو الاعتقاد. ربما تكون التجربة الأردنية مكتظة بأحزاب تقدم نفسها تحت عناوين فكرية وعقائدية دون أن تقدم للمواطن او حتى في خطابها مضمونا برامجيا يعالج قضايا المجتمع أو يتعامل مع مسارات الدولة من اقتصاد وتعليم وصحة...، وهذه التجربة الطويلة أفرزت قناعة بأن هذا النمط من العمل الحزبي يعاني من ثغرات كبرى، وأنه يتحدث في مواقف سياسية وفكرية عامة بعضها لاعلاقة له بالشأن الداخلي أو قضايا الناس، ولهذا كانت الدعوة لأحزاب برامجية وهي دعوة مهمة لكن لا تعني أن لا تمتلك الأحزاب مضمونا فكريا أو عقائديا، لكنه مضمون لا يجعل الحزب غارقا في الحديث العام أو القضايا النظرية دون أن يمتلك برامج يساهم من خلالها الحزب في دفع مسيرة الدولة إلى الأمام ويعالج المشكلات التي يعاني منها المجتمع. لسنا أمام نقيضين.. البرامج والفكر بل كلا الأمرين لا غنى عنهما لأي حزب، بل إن الحزب الذي لا ينطلق في عمله وتواصله مع الناس من أرضية فكرية، حزب لديه مشكلة، وحتى البرامج التي يطلبها الجميع من الأحزاب يفترض أن تكون منبثقة من قاعدة فكرية، فالحزب من مدرسة يسارية أو إسلامية أو قومية أو ليبرالية يقدم برنامجا اقتصاديا يختلف عن أي حزب من مدرسة أخرى، وفكر الحزب وارضيته العقائدية والسياسية يجب أن يظهر في مضمون برامجه الاقتصادية والاجتماعية والخدمات الصحية والتعليم، أما إن كانت الأحزاب بلا أرضية فكرية فإنها ستتحول إلى شركات استشارات تقدم برامج فنية في معالجة قضايا المجتمع. ان نكون بحاجة إلى أحزاب برامجية فهذا يعني حاجتنا إلى أحزاب تفكر وتعمل لمساعدة الناس على تطوير حياتها سواء كانت هذه الأحزاب في مجلس النواب أو الحكومة أو مع الناس، لا أن تكون غارقة بالقضايا النظرية والمواقف العامة، لكن الحزب يحتاج إلى فكر ويجب أن يمتلك أرضية فكرية وعقيدة سياسية يعتمد عليها في بناء مواقفه من البرامج ومن كل القضايا السياسية المحلية والخارجية، أما أن يكون الحزب عنوانا لآراء فنية في الصحة والتعليم والاقتصاد... فقط، فهذا ليس النموذج للأحزاب البرامجية حتى في الدول الغربية، فالحزب الجمهوري في أميركا لديه أرضية فكرية ومعتقد سياسي يظهر في برامجه، وكذلك الحزب الديمقراطي، والحال أيضا في كل الديمقراطية الغربية بل إن بعض أحزاب أوروبا تسوق نفسها على أساس برامج متطرفة مثل الموقف من المهاجرين أو الإجهاض أو التعصب القومي، ويكون لديها برامج خدماتية في كل المجالات. تجارب العمل الحزبي في الأردن في فترات العمل السري أو العلني كانت تشترك في أمر واحد أن الشخص الذي ينتمي لحزب بل ويدفع ثمنا لهذا الانتماء ويبذل جهدا ومالا ووقتا كان يفعل ذلك لأن الحزب يمثل لديه قيمة فكرية أو سياسية أو عقائدية يضحي ويعمل من أجلها، ولهذا كان هناك أحزاب وحزبيون استمروا عشرات السنين رغم كل الثغرات في تلك التجارب، أما بناء أي حزب بالحديث العام أو الطمع في مقعد نيابي أو وزاري أو إكراما لفلان أو علان أو كما نسمع يجري رفض شرب القهوة في بيت شخص حتى يقبل الانضمام فهذا لا يصنع أحزابا إلا إذا كان المطلوب تجمعات تستخدم لمرة واحدة هي الانتخابات النيابية القادمة. الفكر هو الذي يصنع نسيجا لأي حزب وليس الأحاديث العامة أو السواليف أو حب الاستطلاع من البعض، ولهذا فالبرامج هي المنتج الذي يقدمه الحزب لكن انطلاقا من فكر وعقيدة سياسية ولا تعارض بين الفكر والبرامجية بل كل منهما يعزز وجود الآخر. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان