البطالة: الخروج من الدائرة المغلقة

سياسات مكافحة البطالة هي جوهر مجمل السياسات الاقتصادية في معظم دول العالم، باعتبارها أحد المؤشرات الأساسية لنجاعة الخطط الاقتصادية المختلفة.اضافة اعلان
الارتفاعات الكبيرة المتتالية لمعدلات البطالة في الأردن قبل تأثيرات فيروس "كورونا المستجد" وبعده تؤشر على خطورة استمرار العمل بالسياسات التي استهدفت تخفيضها سابقا، ولكن الحقائق على الأرض أثبتت عدم نجاعة وصوابية هذه السياسات الحكومية.
مختلف الحكومات ذهبت باتجاه تطوير وتطبيق سياسات تشغيل غير فعالة، حيث برامج التشغيل التي اعتمدت على ربط طالبي الوظائف مع أصحاب الأعمال في القطاع الخاص (المشغلين)، وتشجيع الشباب والشابات على الالتحاق في التعليم المهني سواء في إطار مؤسسة التدريب المهني أو برامج التدريب الموازية الأخرى، ثم برنامج خدمة وطن، وهي غير فعالة لأن معدلات البطالة في الأردن ما زالت في اتجاهات تصاعدية، حتى قبل دخول تأثيرات جائحة كورونا.
نقدم العديد من السياسات البديلة أمام الحكومة التي سترى النور خلال أيام، فمواجهة مشكلة البطالة تتطلب تدخلات حكومية أكثر فاعلية، تستهدف الأسباب الأكثر مساهمة في زيادة معدلات البطالة، والتي يمكن إجمالها بثلاثة محاور أساسية، - وهي لا تلغي تأثير عوامل أخرى- خاصة مع بدء تعمق تأثيرات جائحة كورونا على الاقتصاد الوطني بمختلف مفاصله ومكوناته.
من دون تحفيز الاقتصاد الوطني بشكل فعال من خلال تخفيض معدلات الضريبة العامة على المبيعات وتخفيض أسعار الطاقة على القطاعات الاقتصادية التي تعتمد عليها بشكل كبير وتخفيض اشتراكات الضمان الاجتماعي، لن تقوى غالبية منشآت الأعمال على الصمود والتوسع للحفاظ على العاملين والعاملات لديها والتوسع في التشغيل.
ومن دون تحسين شروط العمل بشكل ملموس، من خلال احترام معايير العمل الأردنية الواردة في قانوني العمل والضمان الاجتماعي وشمول جميع العاملين في الأردن في مظلتهما، وضمان أجور وحمايات جيدة للعاملين والعاملات في هذه القطاعات لن يقبل الأردنيون والأردنيات على العمل في قطاعات الزراعة والإنشاءات وغيرها، حتى لو أخضعناهم لبرامج تدريب مكثفة.
وموضوع احترام معايير العمل اللائق ليست قضية أخلاقية متروكة لأصحاب الأعمال الالتزام بها، بل هي قضية حقوقية وقانونية، على المؤسسات الحكومية إلزامهم باحترامها بقوة القانون، بالشراكة مع أصحاب المصالح الأخرى مثل النقابات التي تمثل العاملين والعاملات بأجر، الأمر الذي يتطلب تعديلات على قانون العمل باتجاه زيادة فاعلية واستقلالية النقابات.
التجربة الأردنية في هذا المجال واضحة، ويكفي الإشارة الى أن الغالبية الكبيرة من العاملين في النظافة (عمال وطن) أصبحوا أردنيين بعدما تم تحسين شروط العمل وتوفير الحمايات الاجتماعية، بعدما كانوا يعزفون عن العمل فيها سابقا، ففرضية "ثقافة العيب" غير موجودة إلا في أذهان مستخدميها، لأن تحسين شروط العمل هو المدخل الأساسي للإقبال على العمل.
ودون إعادة النظر بالسياسات التي شوهت منظومة التعليم ما بعد الأساسي وما بعد الثانوي خلال العقود الثلاثة الماضية، بحيث أصبح هرم التعليم مقلوبا، بعكس غالبية دول العالم المتقدم، إذ أن غالبية الطلبة لدينا يكملون تعليمهم في الجامعات ويدرسون تخصصات مشبعة -لا يتوفر لها فرص عمل – والقليل من الطلبة يلتحقون بمعاهد التدريب المهني والمتوسط.
لا يمكن مواجهة تحدي البطالة ونحن نشجع على التوسع في فتح المزيد من الجامعات ونشجع الطلبة على الالتحاق بها، بعكس ما جاء في الاستراتيجية الوطنية للتشغيل والاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي أكدت على ضرورة التوسع في التعليم والتدريب المهني والمتوسط، يأتي هذا وموازنة مؤسسة التدريب المهني لم تزد منذ ما يقارب عشر سنوات.
على أي حكومة قادمة أن تتعامل مع ملف البطالة باعتباره ملفا مركزيا، وعليها الالتفات إلى الأسباب الجوهرية التي أدت إلى زيادة معدلات البطالة بمستويات غير مسبوقة، وعليها أن تغض النظر عن البرامج والمشاريع غير الفعالة التي عملت عليها العديد من الحكومات، والتي لم تساهم في تخفيضها.