البطالة والتفكير خارج الصندوق

هناك حل بسيط لمشكلة البطالة، هو أن توظف الحكومة كل طالب وظيفة، بما قد يصل إلى مائة وخمسين ألف شخص ما بين الفئة الثالثة وخريجي الجامعات والدراسات العليا. وسنفترض أن متوسط كلفة الشخص الواحد هي 500 دينار شهريا، فتكون الكلفة السنوية تراوح بين نصف مليار إلى مليار دينار سنويا، تضاف طبعا إلى عجز الموازنة والدين العام. ولو سألت مواطنا عما إذا كان يقبل بهذا الحل، فسيقول: "لم لا؟! فديون الدولة ترتفع مليار دولار سنويا، فلتزد مليارا آخر نعرف على الأقل أنه يذهب لجيوب الناس". والحكومة لا تملك بالطبع وظائف وأماكن تكدس فيها هذا العدد من الناس، فتطلب منهم أن يستلموا رواتبهم وهم في البيوت.اضافة اعلان
الحقيقة أن شيئا من هذا القبيل تم اقتراحه في سويسرا؛ وهو منح كل بالغ مقيم على الأرض السويسرية مبلغ 2800 دولار شهريا (أكثر من 1800 دينار أردني). وتم عرض الأمر بالفعل على استفتاء عام قبل أيام. لكن أغلبية السويسريين الساحقة صوتت ضد المشروع. ذلك أن السويسريين واعون أن الحكومة يجب أن تجمع هذا المال (25 مليار دولار سنويا) من جيوبهم هم، بزيادة الضرائب والرسوم؛ أي بزيادة العبء على العاملين الذين تتحقق لديهم دخول يمكن فرض الضرائب عليها. وهم لا يريدون تمويل العاطلين عن العمل والأجانب، أو تشجيع الناس على التعطل. بل إن السويسريين صوتوا في مرة سابقة على رفض زيادة الإجازة السنوية من 4 أسابيع إلى 6 أسابيع، حتى لا تنخفض الإنتاجية وتنخفض التنافسية للبضائع السويسرية.
في سويسرا لا يفكرون أن المال يهبط من السماء، أو ينهال عليهم من الأصدقاء! فخزينة الدولة هي جيوب مواطنيها. ولذلك سقطت المبادرة المذكورة آنفا في الاستفتاء الأخير. ولن نقترح على الحكومة عندنا أن تجري استفتاء شبيها، لأنه سينجح. إنما نقترح عليها شيئا أكثر عقلانيا، قد يكلف الحكومة ما بين 50 إلى 100 مليون دينار في العام، ستكون محتملة إذا قابلها رفع للإنتاجية وتقليص للبطالة إلى أدنى حد ممكن.
الاقتراح هو إنشاء نظام تأمين ضد البطالة، يقترن بفرض خدمة العلم بالصبغة المدنية. وهذا الاقتراح لطالما طرحناه في أوقات سابقة، ومع كل مناقشة للموازنة تحت قبة البرلمان. لكن الحكومة لم تشأ أن تذهب في تفكيرها أبدا خارج الصندوق؛ أي خارج الأساليب التقليدية وتبرير المشكلة وتهوينها بانتظار غد أفضل، بدل مواجهتها وتحديها بأفكار ومقترحات جديدة وجريئة. ومع الحكومة الجديدة التي تقدم نفسها بهمّة عالية لمواجهة التحديات، فإننا نطرح التحدي عليها؛ أن تفكر بطريقة غير تقليدية ومقدامة، لأن البطالة بين الخريجين تدوم وتزيد بصورة لم تعد محتملة.
إن أسوأ ما كان يواجهني كنائب ويجعل الدنيا تضيق في وجهي، هو مواجهة العاطلين عن العمل، وخصوصا من الخريجين. آباء وأمهات يراجعونك يائسين من أجل أبناء وبنات تخرجوا من الجامعات منذ سنة واثنتين وثلاث وأكثر، من دون أن يعثروا على وظيفة. وأعداد لا تحصى من الراسبين في "التوجيهي" يراجعون مكاتب التشغيل من دون جدوى، أو تقدموا للتجنيد وما يزالون ينتظرون. حملات التشغيل كانت تظاهرات إعلامية تداري العجز الحكومي عن اجتراح خطة للنهوض الاقتصادي والتشغيل. إذا كانت الحكومة الجديدة تريد أن تقدم شيئا جديدا حقا فلتفكر في مقترحات جذرية كالاقتراح السابق، وللتفاصيل حديث آخر.