البعد الوظيفي في التعليم والتعلم

يتحدث المربون ورجال الأعمال كثيراً عن ضرورة ربط التعليم بالعمل، وأن نهوض البلاد يعتمد على اتساع التعليم الحرفي والتقني أو الفني. ولكن العيب في هذا الحديث انه تقليدي لأنه يربط هذا التعليم بالمدارس المهنية والكليات التقنية المتوسطة، وينطلق من انخفاض نسبة الملتحقين به، أو من ارتفاع نسبة العازفين عنه أو الهاربين منه. وعليه يطالبون بالمزيد من هذه المدارس والكليات وبوضع ترتيبات وحوافز لتغليبه على التعليم الأكاديمي، ولكنه لا يتغلب عليه. اضافة اعلان
وجهة نظري تقضي بجعل جميع المدارس والكليات أكاديمية حرفية مهنية تقنية، وجميع التلاميذ والتلميذات ملتحقين بهذا التعليم. أما كيف فيكون بإبراز البعد الحرفي المهني أو الوظيفي (التطبيقي) اليومي في كل مادة أكاديمية في المدرسة والكلية، وتعليم هذا البعد وتعلّمه لجميع التلاميذ والتلميذات والطلبة، فلا نحتاج إلى مدارس مهنية منفصلة أو مستقلة لإعدادهم.
خذ اللغة العربية كمثال تجد أنّ لها عدة وظائف: القراءة، والكتابة، والتقرير، والاستدعاء، والتلخيص، والقصة، والرواية، والشعر.. لكنها تعلم الآن كمعلومات مشرذمة تحفظ ثم تسترجع في الامتحان، وتنسى بعده. غير أنه بالتعليم الوظيفي (التطبيقي) يتعلم الطلبة أصول القراءة بأنواعها، والكتابة بأشكالها، والترقيم، والإيقاع، وكتابة التقارير، والاستدعاءات، والقصص، والروايات، ونظم الشعر، فعندئذ تصبح اللغة وظيفية وتفرخ مهناً ووظائف عدة.
وخذ مادة الأحياء كمثال آخر، تجد أن التلميذ/ة يتخرج في الدراسة بعد دراستها عدة سنوات، دون أن يعرف الإسعاف، أو ضرب الإبرة في العضل، أو قياس الضغط، أو استخدام الميكروسكوب والتعرف على البكتيريا والميكروبات. انه يتعلم عن الخلية ومكوناتها، وأنشطتها.. غيباً دون أن يراها.
وخذ مادة الجغرافيا تجد أن التلميذ/ة يتعلم عن حساب الزمن أو المناطق الحرارية في العالم، أو الأقاليم المناخية، أو أثر المناخ، لكنه يتخرج دون أن يعرف قراءة ميزان الضغط الجوي، أو رؤية السماء بالتلسكوب، أو توقع الطقس من محصلة الحرارة والرطوبة والضغط.
وخذ الفيزياء تجد ان التلميذ/ة يقضي سنوات وهو يتعلم عن الميكانيكا أو الحركة أو الشغل والماء، والحرارة، والمغناطيس، والكهرباء، والفلزات... دون أن يعرف كيف تعمل وأين تعمل في جهاز أو في الحياة، مع ان إبراز البعد الوظيفي لها كافٍ ليستطيع المتعلم/ة العمل في صيانة أو إنتاج أو إبتكار .
عندما نعلّم النظرية والبعد الوظيفي لها يصبح المتعلم/ة جاهزاً للعمل في مجالات كثيرة، بل ولبدء علمه الخاص. أما الآن وحسب نظام التعليم التلقيني السائد فإنه يتخرج معوقاً لا يجيد شيئاًَ أو يمتلك مهارة وظيفية واحدة.
وعليه فإن المطلوب ليس مجرد إعداد المناهج وتأليف الكتب المدرسية بل إبراز البعد الوظيفي في كل مادة وفي كل صف وتعليمه وتعلمه.
لقد طلبت خطياً ذات يوم من وزير التربية والتعليم وكان المرحوم منذر المصري الوزير آنذاك، أن يطلب من مديرية المناهج والكتب المدرسية أن تبين لنا أين تعمل القوانين والقواعد العلمية المبثوثة في الكتب المدرسية؟ أين يوجد قانون بويل – مثلاً – في الأردن وأين تتفاعل الفلزات وتتآكل وكيف تحفظ، وهكذا، فلم تستطع المديرية أن تجيب. ولما كان الأمر كذلك فما فائدة وجود هذه القوانين والقواعد في المنهاج أو في الكتاب؟
أما الفائدة الكبيرة الثانية لإبراز البعد الوظيفي وتعليمه وتعلمه في كل مادة، فاضطرار كثير من المعلمين والمعلمات إلى تغليبه على المنهاج الخفي الذي يضيعون وقت الدرس عليه. إن جعل هذا البعد متطلبا تعليمياً وتقييمياً يجبرهم على الانغماس فيه، لأنه لا يبقى وقت لديهم أو مجال للمنهاج الخفي. أدعو المستثمرين الشجعان إلى اقتحام التعليم بهذه الطريقة وأنا على استعداد تام لتزويدهم بالترتيب المؤاتي بتعليم هذا البعد لتحويل التلاميذ إلى مكتشفين ومخترعين ومبدعين.