البغدادي كان بلا ردّ بينما تنهار خلافته

333
333

باتريك كوبيرن*– (كاونتربنتش) 31/10/2019
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

سوف يوجه مصرع أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم "داعش" والخليف المعلن ذاتياً لـ"الدولة الإسلامية"، ضربة خطيرة -وإن لم تكن نهاية- للحركة الجهادية الشرسة التي تزعمها منذ العام 2010.اضافة اعلان
كان المكان الذي تم تحديد وجوده فيه أخيراً -قرية باريشا إلى الشمال من مدينة إدلب في شمال غرب سورية، بالقرب من الحدود التركية- مفاجأة حقيقية. فقد ساد افتراض بأنه يختبئ في مكان ما في الصحراء في المنطقة الحدودية السورية-العراقية، حيث ما تزال فلول "داعش" تحتفظ بعض القواعد.
لم تكن لتنظيم "داعش" أي سيطرة مباشرة في منطقة إدلب منذ العديد من السنوات، وإنما تسيطر هناك مجموعات جهادية منافسة يُعتقد أنها معادية للتنظيم، والتي تحكم منطقة شاسعة مركزها في محافظة إدلب. ومن المحتمل أن يكون البغدادي، الذي تمكن من النجاة والبقاء على قيد الحياة كل هذه الفترة الطويلة فقط من خلال اتباع إجراءات أمنية مشددة، قد اختار مكان اختبائه الأخير لهذا السبب بالذات.
حتى من أنه ظل متوارياً في حالة اختباء عميق منذ فترة طويلة، ظل البغدادي هو الرمز لتنظيمة ولبقاء هذا التنظيم، على الرغم من الجهود المكثفة التي بذلت للعثور عليه وقتله، وأثبت حتى الآن أن "داعش" ما يزال يمتلك منظمة قادرة على إبقائه آمناً. لكن وفاته تشكل دليلاً على أن الأمر لم يعد كذلك، على الرغم من أن التنظيم سيكون قادراً على الاستمرار كقوة تخوض حرب عصابات. وسوف تساعده في ذلك الفوضى المتزايدة على الأرض بعد الانسحاب الأميركي الجزئي من سورية، والغزو التركي، وإجبارالأكراد على التحول نحو شكل من أشكال التحالف مع دمشق.
ظل البغدادي شخصية غامضة في موته كما في حياته، لأنه لم يكن واضحاً إلى أي مدى كانت عودة صعود "داعش" -المعروف سابقاً بأسماء "تنظيم القاعدة في العراق" و"الدولة الإسلامية في العراق"- بعد العام 2011 من صنيعه هو.
كان اسمه الحقيقي إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري السامرائي، وولد لعائلة عربية سنية متدينة في سامراء، شمال بغداد، في العام 1971. وقد سجنته القوات الأميركية في العام 2004، ولم يكن يعتبر شخصية مقاومة كبيرة فتم بإطلاق سراحه بعد عشرة أشهر.
أصبح البغدادي زعيماً لتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" في العام 2010 بعد موت أسلافه في غارة جوية أميركية. وفي ذلك الوقت، تراجعت الحركة إلى مناطق دعمها الأساسية في الموصل وما حولها، وإلى المناطق الريفية حيث كان تنظيم "القاعدة في العراق" قوياً على الدوام. وقد احتفظت الحركة بقوة أكبر مما كان يدركه أعداؤها وتراكمت لديها الكثير من الخبرة العسكرية المستقاة من حرب الأعوام 2004-2009 ضد القوات الأميركية وقوات الحكومة العراقية.
قدمت انتفاضات الربيع العربي في العام 2011، وخاصة في سورية، فرصة للبغدادي وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" للتوسع السريع بعد أن فقدت الحكومة السورية سيطرتها على أجزاء كبيرة من البلاد. وقام البغدادي بإرسال موفدين متشددين ومقاتلين خبيرين، بالإضافة إلى الأموال والأسلحة، لتأسيس "جبهة النصرة" لتكون منظمة متمردة بارزة، على الرغم من أن إبقاء أمر اعتمادها على "الدولة الإسلامية في العراق" في البداية سرياً.
لم يتم الكشف عن الصلة بين المنظمتين إلا في العام 2013 عندما حاول البغدادي إعادة تأكيد سلطته على "جبهة النصرة"، التي حققت نجاحاً كبيراً في نشر حكمها في سورية. وعندما رفض جزء من "النصرة" ذلك، قام البغدادي بخلع قادتها، وخاض حرباً داخلية بين الجهاديين لينفصل لاحقاً عن تنظيم القاعدة، ويؤسس تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، (داعش).
في العراق، كان البغدادي محظوظاً في الفرص التي أتيحت له، لأن المجتمع العربي السني كان يواجه العزل المتزايد من قبل حكومة شيعية طائفية تجاهلت احتجاجاته أو قمعتها. كما تدهورت أحوال الجيش العراقي وقوات الأمن بسبب الفساد الشديد وتسريح القادة الأكفاء.
على الرغم من ذلك، اندهش العالم عندما استولى "داعش على الموصل في حزيران (يونيو) 2014 وسمى البغدادي نفسه خليفة لـ"الدولة الإسلامية" التي تأسست حديثاً. وأعقبت ذلك مائة يوم من الانتصارات السريعة التي أحرزتها قوات "داعش" في العراق وسورية، وتقدم مقاتلو التنظيم ضد المقاومة الضئيلة في تكريت، شمال بغداد، وإلى تدمر، إلى الشرق من دمشق.
بينما أسس مقاتلو "داعش" دولة كانت، عند أقصى مساحة بلغتها، بنفس حجم بريطانيا العظمى، فإنهم قاموا بقتل الشيعة واليزيديين، ونشروا فظائعهم عن طريق الفيديو. وكان الغرض من هذه الوحشية هو نشر الطائفية المتطرفة المقترنة بتصميم على نشر الرعب بين خصومها واستنزاف إرادتهم ورغبتهم في المقاومة.
كانت هذه القسوة الوحشية تجاه كل الذين لا يدعمون "داعش" سمة نمطية لحكم البغدادي: كان العالم، في رأيه، منقسماً إلى النور والظلام، ووقف "داعش" وحده فقط في النور. وكان هذا النهج فعالاً في تحفيز مقاتلي "داعش" المتعصبين، لكنه عنى أن كل شخص خارج "داعش" هو عدو شيطاني يجب تدميره. وفي نهاية المطاف، أصبح الخليفة في حالة حرب مع العالم أجمع -الحكومة السورية، والمعارضة السورية، وروسيا، وأميركا، وتركيا والمملكة العربية السعودية. وربما يكون البغدادي قد قاد "داعش" إلى إحراز انتصارات كبيرة وغير متوقعة، لكنه كفل هزيمته أيضاً.
كانت قواته العسكرية –المكونة بشكل أساسي من المشاة الخفيفة الماهرة، التي يتممها الاستخدام الشامل للمفجرين الانتحاريين –أمام قوى تفوقت عليها في العدد والعتاد. وفي العام 2014، كان الأكراد الانفصاليون في العراق وسورية يفضلون البقاء على الحياد، لكن "داعش" هاجمهم على أي حال. وأدى ذلك إلى جلب الولايات المتحدة كطرف جديد في القتال وأصبحت قوات "داعش" العسكرية مستهدفة بلا هوادة من قبل القوة الجوية للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وأحرزت هذه القوات آخر انتصاراتها في العام 2015، عندما استولت على الرمادي في العراق وتدمر في سورية. لكن الخلافة تعرضت بعد ذلك لضربات مزقتها إرباً على أيدي قوات متفوقة عليها بكثير على مدار العامين التاليين.
يُعتقد أن البغدادي فر من الموصل خلال هجوم معاكس مفاجئ شُن على القوات التي تحاصر المنطقة من داخل المدينة في أوائل العام 2017، لكن موقعه كان دائماً مراوغاً وعصياً على التحديد. وجاءت الهزيمة العسكرية الحاسمة لـ"داعش" في وقت لاحق من نفس العام مع سقوط الموصل والرقة بعد حصار طويل. ووجه البغدادي بعد ذلك خطابات مسجلة لإلهام أتباعه من حين لآخر، لكنه لم يمتلك أي رد على انهيار خلافته، سوى تشجيع الهجمات الإرهابية على أهداف مدنية في الخارج، من مانشستر إلى كولومبو.
خلال هذه الفترة، تم الإعلان مراراً وتكراراً عن قتله أو إصابته بجراح، فقط ليعاود الظهور مرة أخرى، وكان آخر ذلك في شريط فيديو نُشر في نيسان (أبريل). وفي الأثناء، عمل "داعش" على التحول إلى خوض حرب عصابات، على أمل تكرار انبعاثه الاستثنائي المدهش بين العامين 2011 و2014. لكن مقدار الخوف الذي تسبب به "داعش" في ذروة نجاحه يعني أن من غير المرجح أن تُؤخد الحكومات على حين غرة هذه المرة. كما بدا من الحتمي أيضاً أن لا يستطيع البغدادي، بمجرد أن فقد "داعش" أرضه الأخيرة في وقت سابق من هذا العام، الإفلات من مطارديه إلى الأبد.


*كاتب، مؤلف كتاب "صعود الدولة الإسلامية: "داعش" والثورة السنية الجديدة".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Baghdadi Had No Real Answer for the Crumbling of His Caliphate