البقاء بالتفوّق

والتفوق هنا يعني امتلاك القوة والسرعة، أي الجمع بين قاعدة البقاء الحيوي التي صاغها داروين وهي: البقاء للأقوى، وقاعدة البقاء العلمي التقني التي صاغها ألفن توفلر وهي: البقاء للأسرع. عندما تزور غابة استوائية أو مطرية تلاحظ القاعدة الأولى، حيث تحاول النباتات الضعيفة البقاء بكل السبل، فتتسلق على الأشجار القوية الباسقة وتلتف حولها لتصل إلى ضوء الشمس. وعندما تزور البلدان المتقدمة في الغرب والشرق، تجد ان الأسرع في الاكتشاف والاختراع والإنتاج يفوز على البطيء والمتخلف فيها. ومثله يحدث مع الأقلية المحرومة أو المضطهدة في مجتمع أو دولة ما، حيث لا سبيل لقبول الأكثرية لها واعترافها بها، سوى التفوق، حتى وإن أدى ذلك إلى بعض الحساسية عند الأكثرية. اضافة اعلان
ومن ذلك – مثلاً – أن اليهود بعد صلب المسيح – له المجد – وتشتتهم في الآفاق، صاروا مضطهدين في جميع المجتمعات والدول المسيحية في الغرب. وقد تبين لهم أن السبيل الوحيد للبقاء هو التفوق في مختلف الميادين، أي في العلوم والآداب والفنون، لدرجة أن الأكثرية صارت تفتخر بنسبة المتفوقين فيها منهم إليها، ففرويد واينشتاين – مثلاً- عالمان ألمانيان لا يهوديان، وهو كذلك عالم أميركي لا يهودي، وهكذا.
وباتخاذ التفوق استراتيجية عندهم صارت نسبة الحاصلين منهم على جوائز نوبل مقارنة بعددهم الأعلى في العالم. ربما تتراجع النسبة بوجود إسرائيل التي تحميهم.
ويبدو أن هذه الحالة تنتقل إلى الشعب الفلسطيني في دولة الاغتصاب والاستيطان، وفي الشتات والمنافي. وأقول دولة الاغتصاب والاستيطان لا دولة الاحتلال كما هو دارج في الإعلام والسياسة، لأن إسرائيل ليست دولة محتلة، لأن القول بذلك يعني أنها كانت قائمة أصلاً ثم امتدت يدها إلى بلدان الجوار. لو كان الأمر كذلك لهان الصبر على الاحتلال، لأن مصير اي احتلال هو الانتهاء، ولكن إسرائيل دولة نشأت باغتصاب الأرض والاستيطان الاستراتيجي فيها. هل أدركتم الفرق؟ كفوا عن وصفها بدولة الاحتلال إن كنتم مدركين.
أكتب هذه المقالة بمناسبة اطلاعي من أحد الأساتذة على نتائج امتحانات مزاولة مهنة الطب في إسرائيل، وهي امتحانات تحتاج إلى دراسة عميقة ووفرة في العلم والمعلومات يجب على الطالب/ة تمكنه منهما بدءاً من السنة الأولى وحتى نهاية الدراسة لينجح فيها. لقد أذهلت نتائج كلية الطب في جامعة النجاح والجامعات الأخرى في فلسطين الفاحصين الإسرائيليين، ومن ذلك ان نسبة نجاح خريجي كلية الطب في جامعة النجاح كانت مائة في المائة، غير أن دمج خريجيها مع خريجي كلية طب فلسطينية أخرى أدى إلى حصول طلبة فلسطين في الامتحان على نسبة 94 % ، تلتها كليات الطب في الأردن التي حصلت على نسبة 91 % وهما الأعلى بين بقية الكليات الأخرى، ما دفع الفاحصين إلى زيارة جامعة النجاح للاطلاع على المناهج والتعليم والتدريب.
وأضاف محدثي، عندما سألته عن السّر في هذا التفوق، قائلاً: الفضل في ذلك يرجع إلى إرادة هذا الشعب المضطهد في التفوق، وإلى إدارة الأستاذ الدكتور رامي الحمدالله للجامعة ومواظبته على تطويرها عمرانياً ونوعياً ودون أي مساومة على الجودة، وبخاصة في كلية الطب والمستشفى التعليمي المتميز التابع لها.
وفي الختام اعتبر هذه النتائج بمثابة قرع الجرس للذين يرسلون أبناءنا وبناتنا للدراسة في دول الاتحاد السوفيتي السابق – ما عدا هنغاريا التي تفوقت على ألمانيا – لدراسة الطب وغيره حيث يحصلون هناك على التفوق على زملائهم ولكنهم لا يتعلمون من الطب وغيره شيئاً، ثم تعادل شهادتهم ويعينون ويعملون وهم للطب وغيره – إلا قلة قليلة جداً - لا يفهمون.