البلديات في ستة أشهر: ما لها وما عليها

فور انتهاء مجلس الأمة من إقرار مشروع التعديلات الدستورية في دورته الاستثنائية، ستتوجه الأنظار مباشرة الى موضوع الانتخابات البلدية، والتي ستكون أول ترجمة عملية لمنظومة قوانين الإصلاح الديمقراطي التي شرع الأردن في إقرارها العام 2011. وستمثل الانتخابات انعكاسا للمشاركة الشعبية والشبابية والنسائية والحزبية في أول عملية انتخابية تجرى في مرحلة العملية الإصلاحية الجديدة.اضافة اعلان
قبل ستة أشهر من الآن وضعنا البلديات الأردنية تحت المجهر، مشيرين إلى أنها تشكل الحجر الأساس في العديد من القضايا، من أهمها قانون البلديات الجديد الذي ستجرى الانتخابات القادمة بموجبه، إلى جانب شأن الإصلاح المالي والإداري للبلديات، وتقييم مشروع دمج البلديات بعد عشر سنوات على تطبيقه، إضافة إلى مسألة الشراكات المجتمعية بين البلديات والقطاع الخاص، وغيرها من الموضوعات الساخنة المتعلقة بواقع البلديات والمجالس المحلية في الأردن.
قبل ستة أشهر من الآن أعلن وزير الشؤون البلدية في حلقة نقاشية، وبعد أسابيع قليلة من تسلمه الوزارة، عن عزمه تقديم مشروع قانون معدل لقانون البلديات، قائم على الأخذ بمختلف الآراء ووجهات النظر المجتمعية والحزبية. وأعلن عن عزم الوزارة إعداد مخططات شمولية للبلديات تنقل أوضاع البلديات الأردنية إلى حالة نموذجية. كما تعهد بالعمل على مختلف مناحي الإصلاح المالي والإداري للبلديات، وقدم رؤية لمبادرة القطاع الخاص بعقد شراكات استراتيجية تنموية مع البلديات.
الآن، وبعد ستة أشهر، نقيّم مسيرة البلديات وتصريحات الوزير. فقد تم بالفعل تقديم مشروع قانون البلديات، وهو يتأرجح حاليا بين مجلسي النواب والأعيان. إذ رفض الأخير إضافة المجالس المحلية إلى البلديات، كما رفض اشتراط المؤهل العلمي لمرشحي المجالس البلدية، في حين تصر اللجنة الإدارية في "النواب" على إبقاء نص المشروع كما هو، بإضافة المجالس المحلية إلى القانون، وهو الأمر الذي سيحسم في الجلسة المشتركة لمجلسي الأعيان والنواب.
الجديد في المشروع أنه ينص على رفع كوتا المرأة في المجالس البلدية المنتخبة من 20 % إلى 25 %، والتي تمثل إضافة نوعية على تمثيل المرأة في الحياة السياسية الأردنية. كما يتضمن المشروع إعادة العمل بنص المادة 48 من القانون السابق رقم 14 لسنة 2007، بتخصيص عوائد المشتقات النفطية لصالح صناديق البلديات، بعد أن كانت قد ألغيت في مطلع العام الماضي 2010 ولاقت احتجاجاً واسعاً من جانب البلديات، بخسارتها حوالي 50 مليون دينار من الدعم. الآن تعود عوائد المحروقات ليس بمقدار 6 % كما كانت في القانون السابق وقبل أن تلغى، وإنما ترتفع إلى 8 % من العوائد. ويتضمن مشروع القانون كذلك استحداث منصب مدير تنفيذي للبلدية يتم تعيينه بتنسيب من المجلس البلدي، بدلا من تعيينه من الوزير.
لكن بخلاف ما كان متوقعاً، وخاصة في هذه المرحلة من مطالب الإصلاح الديمقراطي، من إعطاء الحق لجميع المواطنين في كل المدن بانتخاب مجلسهم انتخاباً حراً مباشراً يعبر عن إرادتهم ويضمن لهم مراقبة مجلسهم، ظلت أمانة عمان والعقبة والبتراء مستثناة من هذا الحق، وبقي تعيين أمين عمان وثلث عدد أعضاء مجلس الأمانة، مع مصادرة حق العقبة والبتراء تماما في انتخاب مجلسيهما.
موضوع الشراكة بين مؤسسات القطاع الخاص والبلديات لم يتبلور بعد إلى شراكة حقيقية في تنفيذ مشاريع استثمارية تنموية تشغل الأيدي العاملة في المناطق الأقل حظاً، وإن كان قد بدأ يخط طريقه بإقدام عدد من مؤسسات القطاع الخاص والبنوك على رعاية حفل عمال الوطن الذي أقيم في شهر رمضان، وتكريمها لعمال الوطن بمكافآت نقدية.
أما عن المخطط الشمولي للبلديات، والذي يشكل أساسا لاستقطاب الاستثمارات، فقد تم الانتهاء لحين كتابة هذه السطور من إنجاز 36 خطة شمولية تنموية للبلديات من أصل 56 مخططا شمولي، ومن المتوقع الانتهاء منها في منتصف العام 2012. وعلى ضوء ذلك، فمن المنظور أن يدخل مشروع اللامركزية الى حيز التطبيق العام المقبل، بالتزامن مع إنجاز كافة المخططات الشمولية، والتي هي أساس لتحديد جغرافية البلديات وحجم سلطاتها الإدارية وهيكليتها وتصنيفها.
عقب تشكيل المجالس البلدية الجديدة وفق الانتخابات المرتقبة بعد 100 يوم من إقرار القانون، والتي ستجرى وفق "القائمة المفتوحة"، ستصبح هذه البلديات محط أنظار ومساءلة من المجتمعات المحلية التي انتخبتها، والتي ستتطلع إلى إدارة كفؤة وفعالة وشفافة لشؤونها المحلية وتنظيم خدماتها الأساسية، وتتطلع إلى دور للبلديات متجاوزاً الدور التقليدي إلى دور يلبي احتياجات وأولويات المجتمع المحلي، دور تنموي وثقافي وعلمي وسياحي واستثماري للبلديات، يتماشى مع العملية الإصلاحية الشاملة التي تمر بها البلاد.
عندها فقط تتوسع فرص الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية والجامعات ومنظمات المجتمع المدني. فالعملية بأكملها تعتمد على المشاركة في الإصلاح والتنمية، وتترجم في خطواتها الأولى بانتخابات ديمقراطية ونزيهة للبلديات، لنقف حينها وقفة أخرى في تقييم العملية الانتخابية.
* مديرة مركز بصر لدراسات المجتمع المدني