البناء الرمزي للأردنيين

توجد مشكلة مزمنة في نسق البناء الرمزي في ثقافة الأردنيين، تتعدى هذه المشكلة الدلالات التقليدية في الصناعة المعلبة للرموز الرائجة في بعض المجالات، ونقصد بذلك كيف يتم تجسيد خلاصة الخبرة الاجتماعية والتاريخية في الإنجاز في خلق اطر مرجعية جماعية محفزة في مسارات التغير الاجتماعي، كما هو الحال في بناء الصور الذهنية والوعي الجمعي للأفراد والجماعات وتعبيراتها في تصنيف الذات مقابل الآخرين، وتذهب هذه الاختلالات عميقا في تفاصيل الأنشطة التنموية واستجابة الناس إليها، وفي منظومات تسويق الأفكار الجديدة ومضامينها، ولعل هذه الزاوية المظلمة تفسر جانبا مهملا في مواجهة تواضع نتائج زخم التغيير على المستويات التنموية والثقافية والسياسية أيضا.

اضافة اعلان

يلاحظ هذا الفقر بشكل جلي ومزمن في السياسات التنموية الرسمية وتعبيراتها الإعلامية، واليوم نلاحظ كيف أصبح هذا الأداء ينسحب بصورة أكثر فجاجة في أنشطة المجتمعات المدنية والمنظمات غير الحكومية، هذا الفقر غير الحقيقي يعبر عنه بافتقاد الخصوصية الايجابية وعدم القدرة على استخلاص مداخل رمزية تجد صداها لدى الناس وتخلق الالتفاف حولها والتفاعل والمشاركة من خلالها؛ وهنا تتجسد القيمة الرمزية، وبلغة أكثر وضوحا نلمس هذا الأداء في المضامين والأساليب التي تسوق فيها الحملات الترويجية للأفكار والفعاليات التنموية، وفي الخطابات التي تفسر الاختلالات التنموية وعلى رأسها مشكلة البطالة وثقافة العمل.

وعلى مستوى أكثر عمقا نلاحظ ممارسة الإفقار المعنوي والرمزي بمراجعة آلاف الأسماء التي تحملها شوارع عمان ومدى غربتها عن الذاكرة الوطنية والاجتماعية، والأمر الذي يزيدنا حرجا حينما نجد الفقر الرمزي المفتعل يلجأ نحو الاستعاضة في الدلالة الرمزية بالأرقام خذ على سبيل المثال اطلاقنا على الصالات الكبرى في المطار صالة رقم (1) وصالة رقم (2)، وقس على ذلك عشرات الأمثلة اليومية.

لا يوجد شك بأن الخبرات المشتركة تشكل الركن الأساسي للانصهار في بوتقة واحدة أي تحقيق الاندماج الاجتماعي الذي يقود بالتالي الى التكامل السياسي بين المجتمع والدولة، أي بين الحقيقة الاجتماعية والحقيقة السياسية، وهذا يتطلب عملية تاريخية طويلة لا تتيسر إلا بتوفر إرادة سياسية تمتلك رؤية تاريخية واضحة تتبناها الدولة وتتضمن صياغة البناء المعنوي وتعزيز الشعور بالذات وتحويله إلى تراكم من المعرفة الذي بدوره لا بد أن يصل في نقطة ما الى تحول كيفي يظهر كأحد عناوين الهوية ومداخلها الأخرى.

الرمز يعبر عن نسق من الأفكار والمعاني المحققة في أذهان الجماعة الإنسانية عن طريق عملية الغرس الثقافي والتنشئة الاجتماعية. وهو عنصر من عناصر ثقافة الجماعة الإنسانية، كما يعبر عن بعض جوانب البناء الاجتماعي، وبذلك يتدخل النسق الرمزي تدخلا مباشرا في تشكيل العلاقات بين الأفراد والمجتمعات والمؤسسات.

قوة الرموز وتأثيرها تتحدد وفقا لقوة البناء الاجتماعي وتماسكه وقوة المؤسسات وجودة مخرجاتها، إذ انه كلما مارس البناء الاجتماعي ضغوطا اجتماعية شديدة على أعضائه. كانت الرموز ذات فعالية وتأثير، وينطبق هذا الواقع على المجتمعات البدائية والبسيطة والمتحضرة.                                      

وترتبط التفاعلية الرمزية بالاتصال الذي يحقق التفاعل على أساس تبادل المعاني بواسطة الرموز التي تنظم خبرة المجتمع وتخلق تراثاً مشتركاً من المعاني والرموز، هو في الأصل خبرة اجتماعية لا تقوم لها قائمة الا باستكمالها وتأطيرها من قبل الدولة، وهنا تكمن الفجوة في الحالة الأردنية؛ وهذه التفاعلية تسهم في إنتاج نسيج معقد من الأفكار والقيم والأفعال الاجتماعية التي يتبادلها الناس في حياتهم اليومية أو ما يسمى اليوم بالهندسة الاجتماعية التي تخلق التفاعل الرمزي داخل الثقافة الواحدة وبين الثقافات، وتعمل على حماية التغيير وإضفاء الشرعية على التحديث والشعور الجماعي بالأمان.

[email protected]