"البين هانا وفي ضانا"

 في التراث الشعبي للطفيلة مقولة يستخدمها الناس للتعبير عن أن الأوضاع لا تسر وأن ذلك الشعور لا يقتصر على الجزء أو المكان الذي يعيش فيه الشخص وإنما يشمل كل الأجزاء والمناطق المجاورة.اضافة اعلان
العبارة التي تعبر عن سوء الحال وعموم البلاء تقول "البين هانا وفي ضانا" أي أن الهم واحد والجميع يعانون حتى من يظن الناس أنهم في نعيم وقلما يعانون. وقد جاء اختيار ضانا وتضمينها للمقولة من كونها إحدى بلدات المنطقة الأكثر أمطارا وخصبا ورخاء؛ فجبالها أعلى ومناخها أقل قسوة وجفافا.
المقولة التراثية التي كان يستخدمها الناس أيام القحط والجوع وانخفاض معدلات المطر وعدم كفاية الأعشاب والمياه للرعي وسقاية الأغنام للتدليل على سوء الأحوال في كل مكان حتى في ضانا، تنسحب على واقعنا العربي الذي يذبح نفسه من الوريد الى الوريد يوميا وبجنون لا مثيل له، وبكافة  أشكال الأسلحة والأدوات.
تفحُّص أوضاع الأقطار والشعوب والناس والقطاعات الاقتصادية والزراعية والسياحية والعلاقات الدبلوماسية والاجتماعية، لا يسر أحدا، فالكل يشكون ولا يوجد في الأفق ما يبعث على التفاؤل.
قبل أيام أعلنت الجامعة العربية عن تعليق مؤتمر قمتها بحكم الأوضاع العربية. ومنذ سنوات ألقت مجموعة الدول الداعمة للتحول الديمقراطي بثقلها العسكري والمالي والإعلامي من أجل تغيير الأنظمة في دول أخرى بحجج أنها لا تحترم حقوق الإنسان وتقتل شعوبها، ما أثار جدلا واسعا حول من يريد تغيير من.
لا أدري من الذي أطلق على بلداننا مسمى العالم العربي، لكنه بالتأكيد على حق؛ فنحن نختلف عن كل الدنيا في قيمنا وعلاقاتنا واقتصادنا وممارساتنا. نحن نقول أشياء لا نعنيها ونتحدث عن المثل العليا ولا نحترمها، وتتضمن بياناتنا بنودا عن الأخوّة والتعاون والتنسيق ولا تجد أثرا لها في ممارساتنا.
نقول إننا نفتخر بعروبتنا وفي أعماقنا نزدريها، ونتحدث عن الإسلام دون أن نلتزم بشيء من القيم التي نسبناها إلى أنفسنا. في عالمنا أغنى الأغنياء وأفقر الفقراء، ونحتاج إلى أشهر للحصول على إذن لدخول بلد من بلداننا العربية في حين نرحب لغير العرب ونحمله على أكف الراحة.
عالمنا يقاتل فيه الجميع الجميع وبلا هدف. أصبحنا أكثر أقاليم العالم استيرادا للسلاح وأكثرها خطرا على البشرية، ونتسابق في إظهار حسن النوايا للغرب والشرق وكأننا عبء على الكون.
تحتاج اليمن إلى مزيد من الغذاء والدواء أكثر من حاجتها لتغيير عمامات شيوخها. ولا أظن أن مشاكل ليبيا في من يحكمها بمقدار ما هي في مدارسها وجامعاتها والتنمية التي غابت عنها.
الكرامة الإنسانيية والعدالة الاجتماعية ووقف الاستبداد ومظاهر الاستعلاء والفساد تجتاح فضاءنا العربي وتحد من فرص صمود الأمة وبقائها في عالم يسير بخطى ثابتة نحو المستقبل الذي لم تعد بعض شعوبنا مهيأة لدخولة.
الأحوال المتردية في العالم العربي ليست وقفا على بلد بعينه، فالجميع مصابون بعدوى التردي ومستوى الثقة بين الأشقاء يدلل على وجود أزمة أخلاقية غير معروفة الجذور والأسباب.
"البين هانا وفي ضانا" مقولة معبرة عن واقع أمتنا الذي أصبح لا يخفى على أحد.