البيوعات البترولية في العالم: وقفة للتأمل والمراجعة

بقلم: لهب عطا عبدالوهاب*

عمان - منذ وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في منتصف الاربعينيات من القرن الماضي شهدت البيوعات البترولية في العالم – ومنها البيوعات الشرق الاوسطية – تحولات جذرية، لعل من أبرزها انتهاء العمل بعقود "الامتيازات" التي "كبلت" دول المنطقة نظراً لهيمنة الشركات النفطية العملاقة أو ما يعرف "بالاخوات السبع" على الصناعة النفطية بالكامل. وضمت هذه المجموعة الشركات: اضافة اعلان
Standard Oil Company of New York (now ExxonMobil ) ،Standard Oil of New Jersey،Standard Oil of California،
Gulf Oil، Texaco now Chevron، Royal Dutch Shell، Anglo-Persian Oil Company (now BP.
وحتى عام 1973 فإن الأخوات السبع كانت تسيطر على أكثر من 85 % من الاحتياطيات العالمية النفطية المؤكدة.
إن هيمنة الشركات الأجنبية الكبرى على السوق النفطية حرم الدول النفطية من الاستفادة من العوائد؛ إذ لم يدخل موازنتها الحكومية الا النزر اليسير.
بيد أن هذا الوضع بدأ بالتغير بشكل جذري في مطلع السبعينيات من القرن الماضي لتضافر عدد من الأسباب منها؛ إن السيطرة المطلقة "للأخوات السبع" على الصناعة النفطية بدأت بالتراجع مع ظهور شركات نفطية مستقلة مثل شركة Getty Oil والشركة الإيطالية الحكومية ENI.
ان انكفاء دور ما كان يعرف بـ"الاخوات السبع" حل محلها ما يصطلح عليه اليوم بـ"الاخوات السبع الجدد"، والتي أضحت الشركات النفطية المهيمنة وفقاً لتصنيف لـFinancial Times، وهذه الشركات هي على النحو التالي: شركة البترول الوطنية الصينية CNPC، شركة غازبروم الروسية، شركة النفط الوطنية الإيرانية، شركة بتروبراس البرازيلية، شركة النفط الوطنية الفنزويلية PDVSA، شركة بتروناس الماليزية، شركة ارامكو السعودية.
ومن الأسباب الاعلان عن إنشاء منظمة الأقطار المصدرة للبترول (أوبك) في العاصمة العراقية بغداد تعزيز مكانة الدول النفطية لاسيما قدرتها التفاوضية مقابل الشركات النفطية الاجنبية التي كانت تعمل وفقاً لنظام الامتياز، وكذلك إعلان الحظر النفطي العربي ابان حرب أكتوبر العام 1973 الذي أفضى إلى ما يعرف بـ"الفورة النفطية" أو ما أصطلح عليه بالثروة النفطية الأولى حيث ارتفعت أسعار النفط من 2.50 دولار للبرميل عام 1972 إلى حوالي 12 دولاراً للبرميل عام 1974. وللاستفادة من الارتفاع الكبير للأسعار، شرعت غالبية الدول النفطية إلى "تأميم" الشركات النفطية الاجنبية العاملة في أراضيها لتحل محلها الشركات النفطية الوطنية التي أخذت على عاتقها إدارة الصناعة النفطية.
ويمكننا اليوم تأطير عدة أنواع من العقود النفطية لعل من أبرزها وأكثرها شيوعاً هي:
1. عقود مشاركة الانتاج، وتسمى ايضا اتفاقيات مشاركة الانتاج: ان هذه النوع من العقود عمل به منذ الستينيات من القرن الماضي، في ليبيا ومصر وغيرها من البلدان. وفي أواساط التسعينيات من القرن الماضي وقع العراق عقدين من هذا النوع، الاول مع شركة لوك اويل الروسية لتطوير حقل غرب القرنة في البصرة، والآخر مع شركة النفط الصينية، لتطوير حقل الاحدب في الكوت، الا انهما لم ينفذا بسبب الحصار آنذاك. وفي اقليم كردستان وقعت حكومة الاقليم اكثر من 20 عقداً لمشاركة الانتاج مع شركات معظمها صغيرة وغير معروفة.
وفي العادة، تتضمن عقود المشاركة عمليات استكشافية وإنتاجية تتحمل بموجبها الشركة المتقاعدة نتائج المجازفة الاستكشافية وكلفة المشروع الكلية، على ان تسترجعها من عائدات الإنتاج خلال مدة يتفق عليها. والمهم في هذا النوع من العقود ان يكون تعويض الشركة المتعاقدة مقابل مجازفتها، ان وجدت، واستثماراتها، على شكل حصة من انتاج النفط تستمر لمدة يتفق عليها، وهي عادة لا تقل عن 25 سنة وقد تصل الى 35 سنة او أكثر.
وتحبذ الشركات العالمية هذا النوع من العقود لكونه يتضمن مردوداً "اضافيا"، وهو تعزيز احتياطياتها النفطية مما ينعكس ايجابياً على سعر التداول لا سهمها في الاسواق العالمية. وفي المقابل، فإن الدول المضيفة تتحسس من شراكة آخرين في ثورتها وتعتبره مساسا" بسيادتها.
2. عقود الخدمة: وهذا النوع من العقود تم تجريبه في كثير من البلدان. وبموجبه تتحمل الشركة المتعاقد معها كلفة التطوير، على أن تستردها من مبيعات الإنتاج بعد بدئه، إضافة إلى عمولة عن بيع كل برميل ينتج. وفي هذا النوع من العقود لاتمتلك الشركة حصة في الانتاج، ولا تكون مدته بطول عقود المشاركة، انما تكون بحدود 10-15 سنة أو اقل. وفي حالة وجود عمليات استكشافية فإن العقد يسمى عقد خدمة ومجازفة وتكون مدته اطول بقدر المدة المخمنة لإنجاز العمليات الاستكشافية والتقييمية.
3. العقود المشتركة Joint Venture: في هذه العقود تدخل الحكومة شريكا مع الشركة المتعاقدة وتتحمل كلفة حصتها في المشروع وتشترك في ادارته، او تخول الشركة المتعاقدة بذلك. وتدخل الدول في مثل هذه العقود اكتسابا" للخبرة من الشركات المتمرسة وتخفيفا للعبء المالي للمشروع. اما مدة العقد فتكون متوسطة، بحدود 20-25 سنة.
4. عقود الاسترجاع Buyback: في عقود الاسترجاع تقوم الشركة المتعاقدة بتطوير الحقل النفطي وتسليمه للحكومة خلال مدة قصيرة (7-10 سنة) يتم الاتفاق عليها بين الطرفين. ويكون هذا النوع من العقود مفيداً "عندما ترغب الدولة ان يكون المشروع تحت سيطرتها مبكراً"، وكانت تمتلك الخبرات الفنية اللازمة لإدارته. اما كلفة المشروع وربحية الشركة فإنهما يدفعان بعد بدء الانتاج وحسب الجدولة المتفق عليها. وهذا النوع من العقود شائع في إيران التي يمنع دستورها الشركات الاجنبية او القطاع الخاص (المحلي) من استملاك الموارد الطبيعية، كما ان هذه الصيغة تمكن جمهورية إيران الاسلامية من الالتفاف على الحظر الدولي المفروض على الاستثمارات النفطية جراء ملفها النووي المثير للجدل.
5. عقود تسليم المفتاح Turn Key: يتم اللجوء لمثل هذه العقود اذا رغبت الحكومة استلام المشروع بعد إكماله مباشرة. اي بعد 3-4 سنوات، على فرض ان معدل فترة التطوير تستغرق هذه المدة. وبموجب هذه العقود تتحمل الشركة المنفذة كلفة المشروع، تسترده لاحقا مع ربحية متفق عليها، وتكون عادة على شكل (كلفة+Cost plus.)
6. عقود المساعدة الفنية: ويلجأ لمثل هذه العقود من لا يمتلك المعرفة الكافية لادارة المشروع الانتاجي وفقا للتقنيات الحديثة. ويكون دور الشركة الاستشارية تقديم المشورة الفنية وربما الاشراف على تطبيقها لقاء اجور يتم الاتفاق حولها.
7. عقود الخدمة والمشاركة: تبنت وزارة النفط العراقية، العام 2009، نوعاً جديداً عما جاء قبلها.
ويمكن تسمية هذه العقود بعقود الخدمة والمشاركة (Service & Sharing)، او عقود الخدمة طويلة الأمد. وقد ابرم بموجبها 14 عقدا لتطوير 11 حقلا نفطيا و3 حقول غازية. ويتميز هذا النوع من العقود بأن تحتفظ الحكومة بحصة من الاستثمار، وتكون مدة العقد طويلة نسيباً، لجلب المستثمرين الاستفادة من خبرتهم مدة أطول. اما مردود الشركات المتعاقدة فيكون على شكل عمولة عن كل برميل اضافي تنتجه الشركات. وهي تتراوح اليوم – الاشارة هنا الى جولات التراخيص لزيادة الانتاج الى 12 مليون برميل بحلول العام 2020 رغم التشكيك في قدرة العراق على بلوغ هذا الرقم لأسباب عديدة؛ منها ما هو تقني ومنها ما هو امني يرتبط بالأوضاع السياسية لاسيما بعد سيطرة التنظيم الارهابي المتطرف داعش على مقاليد الامور في المنطقة الغربية وشمال شرق البلاد التي تضم مرافق نفطية حيوية منها على سبيل المثال مصفاة بيجي وهي المصفاة الاكبر في البلاد – بين 1.5 الى 2 دولار لكل برميل إضافي يتم إنتاجه.

*اقتصادي عراقي متخصص في شؤون الطاقة