التباعد الاجتماعي يعمل.. وأسوأ شيء يمكن عمله هو التوقف عنه

figuur-i
figuur-i

هيئة التحرير - (الواشنطن بوست)

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

لم يسبق أبداً أن تم تجريب التباعد الاجتماعي بهذا الحجم وعلى هذا النطاق كما يحدث الآن، وهناك أدلة على أنه يمكن أن يعمل، في الديمقراطيات والديكتاتوريات على حد سواء. فحيث اتبع الناس التوجيهات بالبقاء في المنزل، وإغلاق المدارس، والامتناع عن الذهاب إلى المطاعم والحانات، وحيث تم إغلاق أماكن العمل والشركات، بدؤوا في إبطاء معدلات نمو العدوى، على أمل تفادي التسبب بحمل زائد في المستشفيات.

  • * *
    عندما اجتمعت مجموعة من خبراء الصحة العامة العام الماضي ليتخيلوا جائحة تنجم عن فيروس تنفسي شديد العدوى، توقع المشاركون الكثير مما حدث في الأشهر القليلة الماضية. تنبأ الخبراء، الذين يكتبون لمركز جونز هوبكنز للأمن الصحي، بأن أنظمة الرعاية الصحية يمكن أن تتعرض للاجتياح والإنهاك بسبب الأعداد، وأن تكون سلاسل الإمدادات الطبية تحت الضغط، وأن تكون الحاجة إلى اللقاحات والأدوية ملحة للغاية. لكنهم لم يكونوا متأكدين عندما تعلق الأمر بشأن واحد: هل سيعمل التباعد الاجتماعي في مثل هذه الأوضاع؟
    توقع الخبراء، في تقرير نُشر في أيلول (سبتمبر) الماضي، أن تتجه الحكومات في حالات تفشي الأوبئة إلى التباعد الاجتماعي وغيره من التدخلات غير الصيدلانية، بما في ذلك فرض القيود على السفر وتدابير الحجر الصحي الصارم. لكنهم قالوا إنه لا يوجد ما يكفي من المعلومات حول ما إذا كانت مثل هذه الإجراءات ستكون فعالة، وأعربوا عن قلقهم بشأن الجوانب السلبية لهذه الاتجاهات. ففي حين أن من الطبيعي أن تعمل الحكومات لتقليل الاتصال بين الناس لإبطاء انتشار المرض، كتب الخبراء: "هناك نقص كبير في الأدلة على الفعالية، ونقص في فهم الآثار السلبية الثانوية" التي قد تترتب على ذلك. وانتقدوا بشكل خاص إجراءات الحجر الصحي من النوع الذي استُخدم في غرب أفريقيا خلال تفشي فيروس إيبولا، والتي تحولت إلى فوضى. وعكست آراؤهم أيضا افتراضا قائماً منذ أمد طويل بأن الأنظمة الاستبدادية تستطيع أن تطبق بسهولة أكبر إجراءات صارمة للتباعد الاجتماعي، بينما سيكون تطبيق مثل ذلك مستحيلاً تقريباً في الديمقراطيات.
    كان أحد الدروس الأكثر إثارة للدهشة بشأن وباء فيروس كورونا المستجد حتى الآن هو أنه تحدى هذا الافتراض. لم يسبق أبداً أن تم تجريب التباعد الاجتماعي بهذا الحجم وعلى هذا النطاق كما يحدث الآن، وهناك أدلة على أنه يمكن أن يعمل، في الديمقراطيات والديكتاتوريات على حد سواء. فحيث اتبع الناس التوجيهات بالبقاء في المنزل، وإغلاق المدارس، والامتناع عن الذهاب إلى المطاعم والحانات، وحيث تم إغلاق أماكن العمل والشركات، بدؤوا في إبطاء معدلات نمو العدوى، على أمل تفادي التسبب بحمل زائد في المستشفيات. وقبل أيام، قال حاكم ولاية كاليفورنيا، جافين نيوسوم (ديمقراطي)، الذي فرض أمرًا بالبقاء في المنزل على مستوى الولاية كلها: "نحن نعرف ما الذي ينجح حقاً.. ذلك هو التباعد الفيزيائي".
    وفي سياتل، قال المسؤولون إن استراتيجيات الاحتواء الصارمة التي تم فرضها في الأيام الأولى من تفشي المرض تؤتي ثمارها. فقد بدأت الحالات التي ترتاد المستشفيات في الانخفاض. ووجدت شركة تعد التقارير والرسوم البيانية عن مستويات المرض المحمومة في جميع أنحاء البلاد -والحمى أحد الأعراض المبكرة لعدوى فيروس كورونا- أنه بمجرد بدء التباعد الاجتماعي، انخفضت مستويات المرض التي تمكن مشاهدتها بين السكان.
    لا أحد يستطيع أن يعلن النصر بعد. ولن تنجح استراتيجية "تسطيح المنحنى" إذا تجاهل الناس الحاجة إلى ممارسة التباعد الاجتماعي -وبالتالي السماح للفيروس بالانتشار. وإذا تجاهل السياسيون والناس القيود، أو سئموا منها في وقت أقرب من اللازم، فسوف يندلع الوباء في المزيد من المدن ويصبح حالها مثل نيويورك. وقد خلصت ورقة بحثية أعدها مايكل غرينستون وفيشان نيغام في جامعة شيكاغو، بناء على دراسة النمذجة السابقة للوباء، إلى أن التباعد الاجتماعي المعتدل "سينقذ حياة 1.7 مليون شخص بين 1 آذار (مارس) و1 تشرين الأول (أكتوبر)، مع توقع تجنب 630.000 شخص وحدات العناية المركزة في المستشفيات التي تعاني مسبقاً من الحمل الزائد". وحتى إذا حقق التباعد الاجتماعي جزءا صغيرا من ذلك، فيبدو أنه يستحق المحاولة.
    نعم، إن التباعد الاجتماعي مُربك ويتطلب التضحية. لكن النتيجة الوحيدة الأسوأ هي الفشل في التباعد، والمزيد من العدوى، بل الخسائر الأعلى في الأرواح، والأموال، والمعاناة من الأزمات المطوّلة.

*نشرت هذه الافتتاحية تحت عنوان: Social distancing is working. The worst thing to do now is stop.