التجارة الخاسرة في التعليم العالي

على ذمة أحد النواب الذين شاركوا قبل أسابيع في اجتماع لجنة التعليم بمجلس النواب مع المعنيين بالتعليم العالي في الأردن، فإن نحو 2500 من حملة الدكتوراه ممن عملوا في الجامعات الرسمية والخاصة غادروا الأردن للبحث عن فرصة أفضل للعمل في دول الخليج والدول العربية الأخرى التي تستقطب الكفاءات الأردنية.

وعلى فرضية أن هذا الرقم دقيق، فإننا أمام مشكلة ليس من الحكمة تجاوزها، لأنها تصيب التعليم العالي بالأردن في مقتل هجرة الكفاءات التي على عاتقها يقع تطوير التعليم العالي، والذي لا يخفى على أحد تراجع مخرجاته خلال السنوات الأخيرة.

في الأردن عشر جامعات حكومية، وسبع عشرة جامعة خاصة معترف بها على مستوى الدول العربية، وبعض الجامعات الأجنبية كالجامعة الأميركية والجامعة الألمانية الأردنية. وتستقطب الجامعات الأردنية كل عام عدداً كبيراً من الطلبة الأجانب، وباتت بعض الجامعات واجهات أكاديمية لدول تعرضت لهزات سياسية، حيث تجد غلبة واضحة لأساتذة من جنسية معينة في جامعة خاصة مثلاً، وكذلك بالنسبة لطلبتها، وكأنك في جامعة ليست أردنية تؤدي دورها على أرض أردنية، وهذا لا يعيب بل قد يكون استثماراً نوعياً ونقلة إلى الأمام، وبخاصة إذا تمكنا من تحقيق التوازن بين فكرة إنشاء جامعة خاصة والالتزام بالمعايير المهنية والأخلاقية لرسالة التعليم العالي. وقد أجمعت معظم الدراسات على أن التعليم العالي يمر بأزمة معضلة تهدد مستوى هذا القطاع الذي كان يعد مفخرة للأردن، وهذه المعضلة ازدادت تعقيداً بعدما أصبح الربح المادي هدفاً رئيساً لمؤسسات التعليم العالي.

في معظم دول العالم أكاديميات التعليم العالي هي مؤسسات غير ربحية ممولة إما من الحكومات وإما وصلت إلى درجة من السمعة الأكاديمية تؤهلها لجلب التبرعات والوقفيات والمنح لتمويل نفسها. ولكن الجامعة أصبحت شركة تعتمد على تسليع المعرفة، بحيث صار الطالب زبوناً والمدرس بائعاً. هذا التوجه الاقتصادي أفرغ تلك المؤسسات من فكرة مجمعة يتمحور حولها الهدف من إنشاء الجامعة.

اضافة اعلان

أن يصل الحال إذاً إلى درجة يصف الوزير المسؤول فيها التعليم العالي بأنه "في غرفة الإنعاش"، فهذا يعني أن مخرجات التعليم انخفضت إلى مستوى لم يعد مقبولاً السكوت عنه، حيث الحريات الأكاديمية مقموعة، والبنية التحتية للجامعات والخدمات لم تعد تستوعب الأعداد المتزايدة من الطلبة، وهو ما نتج عن فتح البرنامج الموازي على مصراعيه، إضافة إلى قبول أعداد كبيرة من الطلبة تحت بند الاستثناءات التي أصبحت تشكل ما يزيد على الـ 60 % من مجموع المقبولين على القبول الموحد، إضافة إلى التضخم الإداري والفساد والمحسوبية، مما يعني تراكم عبء ثقيل على موازنات الجامعات الرسمية. إدارات بعض الجامعات تتحول مع الأسف إلى إدارات لشركات استثمارية تنظر إلى الجامعات من منظور الربح والخسارة والمديونية فقط، ومع هذا لا تمنح الكوادر التعليمية من أساتذة ومدرسين حقوقهم المالية بشكل يليق بسمعة المدرس الجامعي، وهي تتعامل معهم كموظفي درجة تاسعة في مؤسسات وشركات خسرانة. هل يصدق أحد أن الزيادة السنوية لبعض الأساتذة والمدرسين في جامعة خاصة، تربح بالملايين، تصل إلى سبعة دنانير فقط؟ إذا تحدثنا عن تطوير التعليم العالي فعلينا أولاً أن نركز على تطوير الأدوات الرئيسة لهذه المؤسسات، ألا وهي المدرس الذي على عاتقه تقع مسؤولية تطوير العملية التعليمية كاملة.

[email protected]