التجار ورفع الأسعار

في عرف التجارة واذهان الاردنيين، فان اي ارتفاع لاي سلعة لا يعقبه انخفاض، حتى لو تغيرت الظروف وانخفضت تكلفتها من بلادها. وهذه القناعة اكدتها عقود من التغيرات التجارية، وممارسات اهل السوق من التجار، صغاراً وكباراً.

اضافة اعلان

وما نشهده، منذ اسابيع، من ارتفاع في اسعار عشرات السلع الهامة والاساسية يعود الى سببين مهمين؛ الاول عملية الاستغلال التي مارسها اهل التجارة لقرار الحكومة برفع اسعار المشتقات النفطية، والثاني غياب آليات الرقابة والمتابعة من قبل الحكومة، والحجة اننا في سوق تنافس، وان اسعار السلع تخضع لميزان العرض والطلب. لكن كل هذا انعكس على المواطن، الذي دفع ثمناً لرفع اسعار المشتقات النفطية، وثمناً اخر لاستغلال التجار.

وقصة السكر دليل ساطع على حالة الاستغلال؛ فالتجار قاموا برفعه بمعدل 15 قرشا للكيلو الواحد، وهذا رقم كبير، والحجة ارتفاع اسعاره في بلاده. لكن ما لم يقله التجار، ان السكر الذي يتعاطاه الناس الان مستورد منذ شهور، وتم شراؤه بالسعر القديم، لكن الرغبة في الربح والاستغلال جعلت التاجر يبيعه بموجب السعر الجديد، وعلى حساب المواطن.

وقصة السكر تحمل نوعاً من الطرافة والدهشة! فالمؤسسة الاستهلاكية المدنية تبيع السكر، حتى الان، بسعر 26 قرشاً للكيلو، وقد تعاقدت على كميات اضافية بذات السعر، وهي لا تملك مصانع للسكر وانما تستورده مثل التجار. فلماذا يحصل الاردني على السكر بالسعر الرخيص من المؤسسة، بينما يشتريه من البقالة بفرق 15 قرشا لكل كيلو؟ الاجابة لها علاقة بالرغبة في الاستغلال وليست باسعار السوق العالمية.

اما فيما يتعلق بقرار الحكومة اعفاء استيراد السكر من الرسوم البالغة 5%، فهل انعكس مباشرة على سعر السوق، مثلما كان رفع سعر "جرة" الغاز يترك بصماته على سعر السكر والحليب؟ الاجابة واضحة؛ فالقطاع الخاص قد يخفض الاسعار عندما يشتري كميات دون رسوم جمركية، اي ان على الاردنيين الانتظار، اما التجار فلم ينتظروا، وباعوا الناس البضاعة القديمة باسعار ما سيتم شراؤه.

وبذات الروح، يطالب التجار بخفض ضريبة المبيعات ورسوم الاستيراد، مقدمين هذا الطلب باعتباره شفقة ورحمة بالمواطن، ولتخفيض الاسعار عليه، بينما لم نشاهد او نلمس هذه الشفقة والعطف عندما رفع اهل السوق اسعار 36 سلعة، كما جاء في دراسة الجمعية الوطنية لحماية المستهلك التي نشرتها الصحف امس. ومن حق المواطن ان يسأل عن سبب ارتفاع سعر مادة حليب البودرة بنسبة 7%، واللحوم البلدية والمستوردة التي ارتفعت ما بين 7-25%، واسعار اللحوم البيضاء التي ارتفعت بنسبة 33%، وغيرها من السلع التي لا علاقة لها بالنفط، بقدر ما هي مرتبطة بعقلية استغلال الاجواء وزيادة معاناة المواطن.

والارتفاع يجده المواطن في كل مكان. فالادوية ارتفعت، وبنسب غير مدروسة، وحتى رغيف الزعتر الصغير الذي يشتريه المواطن من الفرن، ارتفع بنسبة تصل الى 20%، اضافة الى كثير من المنتجات في كل مكان، حتى اصبح حديث الحكومة عن تثبيت سعر الخبز مثل من يُهدم كل بيته عليه بينما يتم المحافظة على البلاط!

 وكل هذا يثبت ان رفع اسعار المواد الاساسية يفتح ابواب جهنم على المواطن، فيصبح هدفاً لاستغلال التجار، صغارهم وكبارهم. فالجميع يتذرع بارتفاع اسعار البنزين والكاز.

قصة السكر الاخيرة دليل على ثغرة في ادائنا الاقتصادي، في الحكومة والقطاع الخاص على حد سواء. فالاستغلال وغياب الرقابة سيف واحد، دفع ثمنه الاردنيون، سواء من اكرمتهم الحكومة بالزيادة المجزية على رواتبهم والبالغة 5 دنانير، او اولئك الذين تعتقد الحكومة انهم لا يتضررون من رفع الاسعار بحكم رواتبهم العالية.

رغم قسوة اجراءات الحكومة، الا انها تبقى ارحم من استغلال اهل السوق لما جرى. لكن الحكومة شريك اساسي في ما يجري، عبر ضعف رقابتها، وتركها "الحبل على الغارب" لكل من يريد استغلال الناس وزيادة معاناتهم.

[email protected]