التحالف الأميركي البريطاني الأسترالي: قراءة تحليلية

الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض خلال مؤتمر عبر الفيديو مع رئيسي الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأسترالي سكوت موريسون -( أ ف ب)
الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض خلال مؤتمر عبر الفيديو مع رئيسي الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأسترالي سكوت موريسون -( أ ف ب)
غادة بدر تتصدر الاتفاقية الأمنية بين بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا لمواجهة التنين الأحمر، المشهد السياسي، وجاءت لتحقيق مبدأ التبادل التقني العسكري المتطور لمواجهة النفوذ الصيني. أطلق على الاتفاقية اسم “اوكوس”، وستمكن، للمرة الأولى، أستراليا من بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية وتغطي مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الكمية والإنترنت. هذه المسارات الجادة لم تكن لتخرج لحيز التنفيذ لولا القلق من تصاعد نفوذ الصين وتواجدها العسكري العميق في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. سنجد أن كامبيرا محقة في دفاعها عن دورها في الاتفاقية الأمنية أمام الإدانة الفرنسية التي دفعت الولايات المتحدة إلى الإعلان الصريح عن سعيها لإصلاح علاقاتها مع فرنسا بعد أزمة الغواصات النووية لأستراليا، وهي العلاقات التي رسم ترامب بعضا من شروخها ليخلفه بايدن ويعمق تلك الشروخ، والدليل على ذلك أن تقوم فرنسا ولأول مرة في التاريخ باستدعاء سفيريها في الولايات المتحدة وأستراليا. التزام الجانب الأسترالي عدم حيازة الأسلحة النووية لن يقف حائلا أمام تفعيل قدراتها العسكرية والدفاعية لتعزيز الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ما يخدم المصالح السياسية المشتركة للحلفاء الثلاثة، فالقدرات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والقدرات الخارقة الأخرى التي ستنفذ تحت سطح البحر قد تشكل بعض مفاتيح الحل للسيطرة على منطقة المحيطين التي ينظر إليها كبؤرة اشتعال محتملة في ظل نزاعات إقليمية وتهديدات إرهاب وجريمة منظمة. الحنق الفرنسي يفسره انتهاء الصفقة الفرنسية الأسترالية التي تم توقيعها في 2016 لبناء أسطول يضم 12 غواصة من خلال شركة نافال الفرنسية بقيمه تبلغ 65 مليار دولار، وكان يفترض أن تعمل على الديزل والكهرباء، وهي الصفقة التي تم تأخيرها لرغبة الجانب الأسترالي في تصنيع معظم المكونات محليا. أما الصين التي يشكل حشدها العسكري في المنطقة مخاوف حقيقية أمام الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا فلم تجد سبيلا في تفسير اتفاقيتها المستجدة سوى أنها مفتاحهم لضمان الازدهار والأمن والاستقرار ودعم النظام السلمي القائم على القواعد. الحرب الأميركية الصينية القائمة خلف الكواليس تسعى واشنطن من خلالها لوقف النفوذ الصيني المتزايد، والتحالف الجديد هو أحد المفاتيح الاستراتيجية نحو منطقة الهندي والهادئ الممتدة من مدغشقر إلى اليابان والتي تصل فيها الاستثمارات الأوروبية الى ضعف الاستثمارات الأميركية، وتعمل أوروبا جاهدة على صياغة استراتيجية مشتركة خاصة بها هناك، لا سيما في منطقة بحر الصين الجنوبي التي تحوز مرور ما يبلغ 40 % من حجم التجارة العالمية. والسؤال الآن، إلى أين سيسير الركب الأوروبي بقيادة فرنسا النووية الوحيدة أوروبيا والتي خسرت مؤخرا 40 مليار دولار لحظة خروجها من أفغانستان، حيث من المؤكد أن هذا التحالف الأمني سيدفع أوروبا إلى التحرك. وفي ظل موت حلف الناتو دماغيا لا بد أن تطفو على السطح قوة أوروبية عسكرية مشتركة لدعم السياسات الدفاعية. الاتفاقية فعليا جاءت لتحمل المنفعة الاقتصادية الجمة للولايات المتحدة ولفتح باب الانتعاش الاقتصادي من خلال تحريك المياه الراكدة في مجال التصنيع العسكري وفرص العمل. المتمعن في السياسة الأميركية يدرك أنها لا تسعى سوى لتحقيق المصلحة الأميركية العليا، فمواجهة الخصوم الاستراتيجيين؛ روسيا والصين هي ذاتها الاستراتيجية المتبعة في شرق آسيا نحو اليابان وكوريا الجنوبية. ثمة سؤال مهم الآن؛ كيف سُيفتح الباب أمام أوروبا نحو روسيا والصين في خضم هذا الزخم الأيديولوجي البراغماتي الأميركي المحكوم برأس المال والاقتصاد المتغول؟ الحسابات الأميركية الداخلية دفعت أوروبا لحساب لم يكن في الاعتبار. المتمعن جيدا سيجد أن بلورة اتجاه أوروبي معين للتعامل مع الصين وروسيا أمر في غاية الأهمية، فالتعامل مع روسيا والصين لم ينقطع وقد استمر مشروع نورد سريم 2 بفضل مقاومة ألمانيا كل الضغوط لإتمامه، كما أن فرنسا بقيت على خط العلاقات مع روسيا ولم تذهب الى التصعيد لأنها تعلم أن الولايات المتحدة تدفع أوروبا للمواجهة مع روسيا ثم تنسحب وتهادن. إلا أن العلاقة مع الصين هي مكمن المشكلة رغم وجود اتفاقية اقتصادية هي الأضخم بين أوروبا والصين، إلا أن هناك اتفاقا أوروبيا يفضي إلى قانون يمنع الاستحواذ الصيني داخل أوروبا. إذا تساءلنا عن المستقبل الفرنسي الأميركي والشراكة بينهما، سنجد أن ما حدث سيكون له تأثير في العلاقة بين البلدين، إلا أنه لن يفك الشراكة بينهما لأنها استراتيجية بدأت بعد الحرب العالمية الثانية. هذا الانعطاف الفرنسي القائم الآن عن سيدفع للعمل بقرارات منفصلة عن القرار الأميركي، حيث نرى أن شكل التحالفات بدأ يتبلور من جديد في ظل الإقصاء والمأزق الاقتصادي، فما خيارات باريس أمام التحالف الجيوسياسي الأخير؟. من المؤكد أن تطالب فرنسا أستراليا بدفع تعويضات طبقا للأحكام الجزائية المترتبة على مخالفة الاتفاقية الموقعة بين الجانبين ضمن العقود المبرمة، ومن الجانب الآخر ستستوعب واشنطن الغضب الفرنسي والنقاشات الكبيرة وستعمل على ضمان المصالح الفرنسية من خلاله تعزيز الشركات المنفصلة عن الولايات المتحدة كالشراكة الفرنسية مع الهند أو اندونيسيا أو كوريا الجنوبية في إطار ثنائي أو ثلاثي تكون فرنسا طرفا قويا فيه بعيدا عن أميركا، ففرنسا لا تمتلك فرصة اللعب بأوراق سياسية كثيرة في منطقة المحيطين التي تشكل نقطة استراتيجية مهمة لأوروبا، وقد تكون هذه الاتفاقية ورقة دفع لتشكيل تحالفات أوروبية جديدة هناك موازية للتحالف الأخير. بريطانيا التي اختارت الجناح الأميركي تعلم تماما أن ثمة ردا فرنسيا وألمانيا مؤجلا، السؤال: هل ستتمكن بريطانيا من التحليق بعيدا على السرب الأوروبي وهي تعلم تماما أن استراتيجية فرنسا المقبلة ستكون ضمن سياسات جريئة وفظة، إلا أنها تحافظ على العلاقات الأساسية مع أميركا، فاللعب المعلن واضح خاصة بعد أن فقدت أميركا هذا الحليف، ما يفسر أننا نشهد في السنوات الأخيرة إعادة تموضع التحالفات الدولية القديمة، فالثقة التي أضاعتها أميركا بعد انسحابها المفاجئ من أفغانستان بعيدا عن التنسيق دفع بالمشهد السياسي نحو مسارات لم نعهدها. تسدل السياسة الأميركية اليوم الستارة على فصل مهم في استراتيجيتها؛ حيث إنها تفاوض منفردة وتنفذ منفردة، بينما تحشد وتجمع الرأي العام حولها، ولطالما أن فرنسا تتفق مع الولايات المتحدة في مواجهة الصين، كان يمكن بكل سهولة ضم أستراليا الى حلف الناتو وتأمين الحماية النووية الكاملة لأستراليا بدلا من إقصاء فرنسا وتوجيه ضربة سياسية واقتصادية لها، ما سيدفع بباريس إلى الاستقلال الإستراتيجي بعد أن أصابت الثقة العمود الفقري للتحالف الأميركي الأوروبي. لكن، وفي المقابل، هل تغدو الصين الفائز الأكبر في هذه الخلافات بين خصومها، خصوصا اذا ما تخلصت من الوجود الأوروبي على تخومها، وهو أمر غير مستبعد أبدا؟اضافة اعلان