"التحالف المدني".. ملء الفراغ!

يمثّل حزب التحالف المدني (تحت التأسيس، الذي تمّ إشهاره أول من أمس) خياراً بديلاً – فكرياً وسياسياً- لشريحة اجتماعية عريضة من المواطنين لم تجد نفسها في ما كان مطروحاً في المشهد السياسي سابقاً، بخاصة ضمن ثنائية (الحكومة/ الإسلاميين) التي أضرّت بمشروع التحول الديمقراطي في البلاد.اضافة اعلان
التحالف تمكّن منذ البداية من ملء الفراغ السياسي، واستقطب اهتمام ألوان متنوعة ومتعددة من الشباب، ليس فقط لوجود شخصيات لها حضور، وفي مقدّمتها د.مروان المعشّر، بل أيضاً لأنّ خطاب التيار يعبّر عن توجهات وآراء ومصالح وطموحات طبقة كبيرة من المجتمع، تريد إقامة دولة مدنية، ديمقراطية، تحت مظلة القانون، ومفهوم المواطنة.
لذلك وجدنا مجموعات من الشباب الليبرالي الناشط تنضم للمشروع الجديد، ومن اليساريين الديمقراطيين، إذ أعلن جميل النمري نيّة الحزب الديمقراطي الاجتماعي الاندماج مع التحالف، وشخصيات وشباب من التيار القومي الديمقراطي، فقيس زيادين، من كتلة "معاً" ومعه قيادات ونسبة كبيرة من الشباب انضموا إلى الكيان الجديد (بالرغم من أنّ أبرز شخصيات معاً، النائب خالد رمضان لم يشترك في التجربة الجديدة)، وهي مؤشرات تحمل إمكانية كبيرة لنجاح الحزب وتمكّنه من ملء الفراغ في الواقع الحزبي الراهن.
احتفالية الإشهار افتقدت لرجال الدولة المعروفين، ولم يحضر من رؤساء الوزراء السابقين إلاّ عبد الكريم الكباريتي، وفي ذلك إشارة واضحة لدعمه لصديقه المعشّر والمشروع الجديد، فيما غاب طاهر المصري (بدواعي اجتماعية، مع أنّه قريب هو الآخر من المعشّر)، وتجنّب أصدقاء آخرون للمعشّر الحضور، خشية من استفزاز خصوم المعشّر في أوساط الدولة والتيار المحافظ.
مرّة أخرى ليس هنالك منطق سياسي واضح لهذه الحساسية الرسمية (الملموسة) من مشروع الحزب الجديد، فهو –في نهاية المطاف- قوى سياسية تعمل وفق الأصول القانونية والسياسية، وتعبّر عن تيار مهم في المشهد (الليبرالي الاجتماعي)، وتنافس التيار الإسلامي، وتؤطّر نسبة كبيرة من الشباب ضمن قواعد اللعبة السياسية والعمل الحزبي.
قيمة أخرى لمشروع الحزب والفكر الذي يحمله تتمثّل بأنّه يعيد إحياء الأمل لدى جيل الشباب، بعدما تحطّمت كثير من القيم والطموحات والأفكار في الأعوام الأخيرة، وتحوّل الحلم الديمقراطي إلى دماء وحروب داخلية وطائفية واستقطابات أيديولوجية، فهو اليوم يحمل شعار "الدولة المدنية" بوصفها "الأرض المشتركة" التي يمكن أن يقف عليها الجميع.
ينضم الحزب، كذلك، إلى أحزاب أخرى جديدة بدأت تضع أقدامها في المشهد السياسي، وسيكون لها هي الأخرى وجود وكلمة، مثل أحزاب ما بعد الإسلام السياسي، الشراكة والإنقاذ وزمزم، فإذا اندمجا فسيشكلان وزناً أكبر، كما أنّ هنالك تعديلات وتغييرات تجري في أوساط جبهة العمل الإسلامي تعيد هيكلة دوره ووجوده في اللعبة، وتقترب به من التجارب البراغماتية، بينما يبقى – واضحاً- أنّ الاتجاه المحافظ لم ينجح في التشكّل في حزب سياسي قوي، وإن كان –بوصفه تياراً فكرياً وسياسياً- موجودا وقويا، في داخل مؤسسات الدولة وخارجها.
بالعودة إلى التحالف المدني، فبالرغم من توافر شروط مهمة للإقلاع والنجاح، إلاّ أنّ الطريق صعبة ومعقّدة، وليست سهلة أبداً، وهنالك تحديّات ضخمة في داخل الحزب الجديد نفسه، وهي الأهم، وتحديات موضوعية مرتبطة بالتشكّل والانتشار والقدرة على ترجمة الشعارات والأفكار التي طرحها بصورة عملية وواقعية.
في نهاية اليوم طرح الحزب ما يزال أقرب إلى الشعارات الرنّانة، إذا لم يتم ترجمته في التوافقات داخل الحزب (وهي مسألة ليست سهلة)، وفي برنامج إصلاحي عملي يحمله الحزب في الحياة السياسية، فإنّ التباينات الداخلية والموضوعية ستظهر سريعاً وستقضي على التجربة في مهدها!