التحديث الاقتصادي.. أسباب للتفاؤل

سلامة الدرعاوي مخرجات الورش الاقتصاديّة التي أطلقها الملك تدعو للتفاؤل تجاه التحرك في المشهد الاقتصاديّ الذي تحيط به التحديات الخارجيّة والداخليّة على حد سواء، فالعالم في حالة تقلبات شديدة ومتغيرة تعزز من حال عدم اليقين في الأفق، ورغم ذلك فإن التحرك الرسميّ لمواجهة هذه التحديات يعطي دلالات مهمة خاصة في الوقت الراهن. أسباب التفاول بالمخرجات الاقتصاديّة التي تشكّل خريطة طريق للاقتصاد الوطنيّ للسنوات العشر المقبلة حقيقية وليس من باب التمني. فالمخرجات الاقتصاديّة تأتي بضمانة ملكية مباشرة في تنفيذها، وستكون عابرة للحكومات التي سترتكز على تنفيذها بالتعاون مع باقي مؤسسات الدولة الدستورية وخاصة مجلس الأمة الذي سيناط به تعديلات جوهرية على مجموعة كبيرة من التشريعات الناظمة للعملية الاقتصاديّة. ضمانة الملك بتنفيذ المخرجات يعني أننا تجاوزنا أكبر معضلة واجهت الخطط الاقتصاديّة التي وضعتها حكومات ولجان مختلفة على مدى العقدين الماضيين، فهناك الكثير من تلك الخطط التي وضعت على الرف بعد إشهارها. مخرجات الورش الاقتصاديّة التي شملت 14 قطاعا تأتي هذه المرّة وليدة تفاهمات عميقة ومكثفة بين القطاعين العام والخاص، حيث إن الأخير كان له حضور كبير في جميع الورش، لذلك فإن جزءاً كبيراً من هذه المخرجات هي بالأصح مطالبات متكررة من القطاع الخاص على مدى السنوات الماضية. رؤية التحديث الاقتصاديّ التي شكّلت عنوان مخرجات الورش، هي عملية تصويبية كجزء أساسي من عمليات الإصلاح الهيكلي الداخليّ التي تنفذها الحكومات على مدار سنوات، بمعنى أن عملية معالجة التشوّهات والاختلالات ستكون هذه المرّة مؤسسية عابرة للحكومات، وفيها سيكون رسالة إصلاحية مهمة للداخل والخارج معاً. إطلاق المخرجات يأتي بالتزامن مع إكمال المفاوضات بين الأردن والولايات المتحدة الأميركية الخاصة بمذكرة التفاهم بين البلدين والتي تمتد هذه المرّة لسبع سنوات متتالية، وفيها زيادة ملحوظة على المساعدات الدورية التي تحصل عليها المملكة من واشنطن بواقع يزيد على الـ200 مليون دولار، ليبلغ إجمالي تلك المساعدات 1.65 مليار دولار سنويّاً، وهذه إشارة مهمة للغاية في استمرار الدعم الأميركي للاقتصاد الأردني وتعزيز العلاقة الإستراتيجيّة بين البلدين. تنفيذ المخرجات يأتي مباشرة بعد الانتهاء بنجاح للمراجعة الرابعة لبعثة صندوق النقد الدولي للاقتصاد الأردني في إطار اتفاق التصحيح الهيكلي الموقع بين المملكة والصندوق لمدة أربع سنوات تنتهي العام المقبل، وهذا أيضا عامل أساسي في تحسين صورة وتحسين تصنيفه الائتماني والسيادي لدى المانحين ومؤسسات التنصيف الدوليّ. إطلاق إشارة البدء في تنفيذ المخرجات الاقتصاديّة يأتي بالتزامن المباشر مع قيام الحكومة باللجوء لسندات يوروبوند جديدة لإغلاق سند سابق بقيمة مليار دولار، وهذا التحرك ما كان ليتم بهذه المرونة لو لم يكن للأردن حضور ودعم دولي له رغم كل الظروف والتحديات. الاقتصاد الأردنيّ بحاجة إلى جرعة تفاؤل كبيرة لمواجهة حالة السوداوية في المجتمع والتي لا ترى غير الجزء الفارغ من الكأس، فكما هناك تحديات وصعاب لم تنته أو تختف عن المشهد الاقتصاديّ العام للبلاد، أيضا هناك فرص واعدة في كل القطاعات، والتاريخ أثبت أنه بعد كل أزمة اقتصاديّة داخليّة أو خارجيّة يخرج الأردن أكثر منعة في مواجهة التحديات وتوظيفها باتجاه إصلاحات اقتصاديّة تدفع باتجاه تعزيز عملية النموّ الاقتصاديّ وتحسين بيئة الأعمال لتكون أكثر توطينا للاستثمارات، لذلك لنعط هذه المخرجات الفرصة في تنفيذها ولتعمل الأجهزة الرسميّة المساندة ومنها الإعلام على رقابة تنفيذها والسير بها كما هو مخطط لها، فالأردن لا يملك ترف الوقت ليقف موضع التجربة أو الاختبار. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان