التحديث تفكير في المستقبل

التحديث تخطيط لما نحاول أن نؤول إليه، ولهذا فالمشهد الاقتصادي الاجتماعي السياسي الحالي يشكل مبررا للتحديث، ولا يجوز ان يكون معول تحبيط وتشكيك في جهود ومحاولات هذا التحديث، فإشكالية الواقع - اي تشابك مشاكله- مدعاة للسهر والتفكير بل لمحاولة الإبداع ايضا، ذلك أن الهدف المفترض للجميع على اختلاف مشاربهم هو الخروج من الواقع الاشكالي الى فضاء ومستقبل مزدهر آمن.اضافة اعلان
التحديث او الاصلاح السياسي ليس مطلوبا لذاته، فإن الناس لا تأكل بقانون الانتخاب ولا تدفع اقساط التعليم من الديمقراطية، الهدف الاساسي من الاصلاح السياسي هو الازدهار الاقتصادي، والحقيقة الدولية تشير الى ان الرفاه الاقتصادي ليس مرتبطا بشكل واحد محدد من اشكال الحكم، لا بل انه ليس مرتبطا احيانا بالحكم الديمقراطي كما هو الحال في الصين وكوريا.
الدستور الأردني لعام 1952 واضح التوجه والهوية، حيث تبنى النهج الديمقراطي، ونهج حقوق المواطن والانسان، فقد قام على اساس ان “الشعب مصدر السلطات”، والشعب يمارس سلطاته على النحو المبين في الدستور في ظل نظام نيابي ملكي وراثي، وسندا للدستور فإن الحكومة التي لا تحظى بثقة ممثلي الشعب تسقط، ولهذا فإن تعيين الحكومة مرهون بيد برلمان قوي مستقل، والبرلمان القوي المستقل يتكون من ممثلين للشعب اي ممثلين لمصالحه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وحتى تكون ممثلا للشعب يجب ان يكون لك برنامج متكامل لتحقيق مصالح الشعب كافة، وحتى تستطيع وضع برنامج شامل لتحقيق مصالح الشعب محدد بإطار زمني ومصادر تمويل واضحة، يجب ان تكون منتميا الى مؤسسة قادرة على وضع مثل هذا البرنامج، والمؤسسة المتعارف عليها القادرة على وضع برامج وطنية هي الاحزاب السياسية المحترفة التي تملك الرؤية والطاقات البشرية والمالية لتحقيق ذلك، ومع عدم التفريط بحق الافراد في التصدي لمهمة تمثيل الشعب، فإن الاحزاب “المهنية” المحترفة هي الآلية الفاعلة لتشكيل الحياة السياسية القادرة على تحقيق الرفاه الاقتصادي والانساني للمواطن، وهذا امر لا يتحقق بمجرد التفكير فيه، ولا يتحقق دفعة واحدة، فتحديث الشعوب لمؤسساتها الدستورية سيرورة تراكمية تكون فيه للتجربة الوطنية الصادقة الية مراجعة نفسها بنفسها للوصول نحو الافضل للوطن والمواطن.
إن ضمان نجاعة عمل الاحزاب مرهون بوجود احزاب متنافسة في خدمة الوطن والمواطن، وقادرة على وضع حلول متنوعة لمراجعة المستقبل، ووضع رؤية تنمية الوطن وتنوع الرؤى الحزبية ضمانة لدفع الاحزاب بعضها بعضا لخلق بيئة تنافسية صحية، دون اقصاء او محاربة لأي فكر سلمي دستوري، وهذا يتطلب إشراك الشباب والمرأة بشكل استراتيجي في الاحزاب - وهما فئتان غابتا عن العمل الحزبي لأسباب معروفة- وايضا يتطلب تنوع الساحة السياسية، وتعددا تنافسيا موضوعيا بين الاحزاب، والواقع ان الساحة لا تتمتع بهذا التنافس، فالساحة السياسية من الوسط وحتى اقصى اليسار يكاد يكون تأثيرها - مع الاحترام - معدوما، وفي هذا الصدد فلم يعد مقبولا لوم حزب ما على نجاحه، بل يجب توفير البيئة التشريعية للأحزاب كافة للتنافس في خدمة الوطن على اساس من العدل وتكافؤ الفرص، ومن هنا جاءت فكرة التدرج في تطبيق آلية انتخابية تضمن وجود حالة حزبية متنوعة في البرلمان.
إن الهدف من التحديث السياسي هو الوصول لمشهد سياسي تتشكل فيه الحكومة من احزاب وتيارات سياسية فازت بالأغلبية البرلمانية أو تآلفت لتحقيق هذه الأغلبية بموجب قانون انتخاب عادل _ والعدل يشمل المساواة بما تفرضه من مراعاة للظروف الموضوعية الماثلة على الارض _ تعارضها في البرلمان حكومة ظل تتربص لها لمصلحة الوطن والمواطن، والحكومة والمعارضة لكل منهما برنامج متكامل تحكم وتعارض بموجبه، ويتضمن هذا البرنامج مسارا اقتصاديا واضحا لتحقيق التنمية، حيث يكون هذا الحزب مسؤولا امام الشعب عن تحقيق ذلك الرفاه الاقتصادي الموعود، وإلا فإن الشعب يتدخل في الصناديق ليسقط الاحزاب التي لا تقوم بتطبيق وتنفيذ برامجها على افضل وجه.
التحديث السياسي ببساطة هو تكريس الآليات الصحيحة التي تضمن وضع نصوص الدستور موضع التنفيذ الفعلي على الارض، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، فاهم على جنابك؟