التحدي المعرفي بمواجة أزمة كورونا

في عالم يسير بسرعة مذهلة نحو التحول الرقمي في كافة القطاعات الاقتصادية، الإنتاجية منها والخدمية، يصبح الإنتاج المعرفي فيه والتعامل معه ليس له سقف أو حدود ورقية نقف عندها، بل هو فضاء رحب وواسع يتسم بتسارع علمي واستكشافي مذهل يتمثل في ثورة الاتصالات والمعلومات والتطور التكنولوجي الذي يشمل كافة مناحي الحياة، وخاصة ما يتعلق بالجانب الإنتاجي بشقيه السلعي والخدمي الذي أحيانا ما يؤثر في السلوك الاجتماعي والثقافي لأفراد المجتمع، بحيث لم تعد معها الأصول المادية لأي منشأة إنتاجية هي المحدد الرئيسي للعملية الإنتاجية، بل دخل مفهوم جديد للأصول المساهمة في العملية الإنتاجية، وهو الأصول المعرفية التي هي في النهاية تمثل رأس المال المعرفي في حدوده العلمية والتكنولوجية المتابع والمتفاعل مع التطور السريع في إنتاج المعرفة بشقيها الفكري والتكنولوجي المرتبط في إنتاج أفكار جديدة أو تطوير الموجود منها أصلا والذي لا يمكن فصله عن رأس المال البشري بما يمثله من مجموعة خبرات ومعرفة يمتلكها العاملون أو القائمون على العملية الإنتاجية، وبالتالي سوف ينعكس ذلك على أداء القطاعات الاقتصادية كافة، هذا من جانب ومن جانب آخر فإنه يسهم في تطوير الأفكار والفلسفة القائمة عليها الوحدات الاقتصادية، مما يساعدها على التقدم والتطور وتحسين مستوى الإنتاج.
ما وددنا الوصول اليه من هذه المقدمة هو القول إن الصناعة المصرفية الإسلامية، خاصة بعد أزمة جائحة كورونا وتأثيرها على القطاع المالي والمصرفي في العالم، معنية بمجاراة ثورة المعرفة لما شهدته في السنوات الأخيرة من نشاط متميز في قطاعي التمويل والاستثمار الملتزمين بمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية، إضافة إلى الاهتمام بجانب الخدمات المصرفية ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجي لتطوير أدائها، فهي نشأت في مجتمعات تطبق وتتعامل مع نظم مصرفية تقليدية مما فرض عليها نوعا من التحدي، الأمر الذي تطلب وجود رأسمال بشري، يمتلك المعرفة التي تنسجم مع خصوصيتها في جانب العمل المصرفي وكذلك معرفة في الضوابط الشرعية للمعاملات المالية وما يرافقها من تطور في المعايير الفقهية أو المحاسبية التي تنسجم مع فلسفتها، ويتصف كذلك بامتلاك المهارات والقدرات التي تناسب طبيعة هذه المصارف، نظرا لحجم التحدي الذي تواجهه من جانب، ومن جانب آخر حتى تكون قادرة على جذب المودعين وتقديم الخدمات المصرفية اللازمة لمعاملاتهم المالية المنسجمة مع أحكام الشريعة الإسلامية والمنافسة لمثيلاتها في البنوك التقليدية، إضافة إلى قدرتها على البحث عن فرص الاستثمار المناسبة التي تلبي رغبة المودعين، ثم إدارة العمليات الاستثمارية بالشكل الذي يقلل من ارتفاع درجة المخاطرة والسعي لكسب حصة أكبر من السوق المصرفي.
إذا فالصناعة المصرفية الإسلامية أمام تحد مهم يتمثل في كيفية مواجهة أزمة جائحة كورونا بثقة وثبات ثم المحافظة على تميزها وعلى مكتسباتها المحلية والعالمية التي حققتها قبل هذه الأزمة، والتركيز على كافة العناصر التي تقودها الى النجاح والتطوير المستمر لأدائها، فهي مطالبة بالتحديث والمتابعة المستمرة لكافة الوسائل العلمية والتكنولوجية وكل ما هو جديد ومتعلق بالعمل من ابتكارات علمية وتكنولوجية من شأنها أن تطور من جودة منتجاتها المالية الإسلامية.
إن المصرفية الإسلامية بعد هذا الانتشار والتوسع في أنحاء شتى من العالم وحيازتها على حصة مهمة من السوق المصرفية العالمية وكما صنعت هذا الإنجاز الرائع، فإنها مطالبة بالاستمرار في البحث والتعامل مع رأس المال المعرفي كعنصر ومكون رئيسي في العملية الإنتاجية الى جانب الأصول المادية والإصرار على تجاوز تحدياته، للمحافظة على منجزاتها في الجودة والإبداع.

اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي