التحدي ينتظر أردوغان في البرلمان

الرئيس التركي اردوغان خلال افتتاحه مطار اسطنبول الجديد.-( أ ف ب )
الرئيس التركي اردوغان خلال افتتاحه مطار اسطنبول الجديد.-( أ ف ب )

هآرتس

تسفي بارئيل

22/8/2018

معلم فيزياء (54 سنة) مثقف وله روح دعابة، متحدث بارع، شاعر ويهتم بالفن وليبرالي في مواقفه، متفرغ لتولي مهمة رئيس الدولة. هذا يمكن أن يكون إعلان دعاية مناسب في مواقع طلب الزواج على الإنترنت. لو أن موهرام اينجا كان متزوجا وأب لأطفال. اينجا مرشح الحزب الجمهوري للرئاسة، نجح خلال فترة قصيرة في أن يتحول إلى أمل معارضي أردوغان، وأن يخرب على الرئيس الحالي حساباته السياسية ويجعله يتصبب عرقا بفضل قدرته على إدارة حملة انتخابية كثيفة، نجح فيها في اجراء ثلاثة اجتماعات عامة يوميا.اضافة اعلان
في يوم الأحد، عندما سيتم فرز اصوات ملايين الناخبين، سيتبين إذا كان قد جرى في تركيا انقلاب سياسي أو أن السور الدفاعي لأردوغان فقط تصدع قليلا. استطلاعات الرأي العام تجد صعوبة في الاشارة إلى نتائج واضحة. صحيح أن أردوغان فاز تقريبا بـ 50 في المائة من الدعم مقابل 25 في المائة لاينجا و12 في المائة للمرشحة ميرال اكشنر، رئيسة حزب "الجيد" (يوجد ثلاثة مرشحين آخرين منهم صلاح الدين دمرتاش الكردي، الذي في السجن بتهمة دعمه للإرهاب). ولكن هذه التوقعات أيضا تضع علامات استفهام على قدرة أردوغان على اجتياز مستوى الـ 50 في المائة الذي سينقذه من الحاجة إلى التنافس في جولة اخرى أمام المرشح الذي سيحظى بأكثر الأصوات من بعده.
إذا لم ينجح في اجتياز خط المنتصف سيكون عليه التنافس ليس فقط ضد اينجا (على فرض أنه سيأتي بعده)، بل ضد كل الاحزاب المنافسة، التي تعهدت بدعم المرشح الذي سيقف ضد أردوغان. هذه ستكون جبهة من نوع جديد، فيها ستفحص قوة حزب العدالة والتنمية برئاسته والحزب الوطني اليميني، الذي اسسته لغرض الانتخابات كتلة مشتركة أمام "كتلة الشعب" المعارضة. صحيح أنه حتى لو حسبنا نسبة النجاح المتوقعة لأحزاب المعارضة فإن أردوغان ما يزال يحظى بتفوق في الانتخابات الرئاسية. ولكن اللغم المتفجر ينتظره في انتخابات البرلمان التي تجري للمرة الأولى في نفس الوقت.
نظريا، هذه الانتخابات يمكنها أن تعطي نتائج تكبل ايدي أردوغان. فمن اجل ان يستطيع تشكيل حكومة بدون ائتلاف يجب على حزبه الفوز بـ 301 مقعدا على الاقل من اصل الـ 600 مقعد. ومن اجل أن يستطيع اجازة قوانين وسياسات كما يريد هو بحاجة على الاقل إلى 330 مقعدا، واذا كان يطمح إلى ادخال تعديلات على القانون بحيث تجعله رئيس ذو صلاحيات غير مسبوقة فهو بحاجة إلى دعم ثلثي اعضاء البرلمان.
من هنا يأتي الجهد الكبير الذي تبذله احزاب المعارضة من اجل تحقيق انتصار في البرلمان من خلال افتراض أنه في الانتخابات الرئاسية لن يكون لها ما يكفي من القوة لابعاده. نتائج الانتخابات حسب رأيها ستكون هي التي تمنحها عدد مقاعد يجبر حزب العدالة والتنمية على تشكيل حكومة ائتلافية. وفي أحسن الحالات تفوز بثلثي المقاعد بحيث تستطيع اجراء تعديلات على الدستور تعيد مكانة الرئيس إلى المكانة التي كانت قبل اجراء إصلاحات أردوغان.
هذه النتيجة سبق وسجلت في انتخابات 2015 عندما فاز حزب العدالة والتنمية فقط بـ 40.9 في المائة من اصوات الناخبين، واضطر إلى التوجه إلى تشكيل ائتلاف مع خصومه. هذه المحاولة فشلت، لا سيما بسبب رفض أردوغان تقديم تنازلات. وفي نهاية المطاف أعلن عن انتخابات مبكرة حيث حظي فيها حزبه بـ 49.5 في المائة. وبفضل طريقة توزيع المقاعد حصل على اغلبية مهمة في البرلمان. يبدو أن أردوغان يمكنه أيضا العودة هذه المرة إلى نفس التمرين، واجراء انتخابات اخرى إذا حظيت احزاب المعارضة بأغلبية في البرلمان. ولكن المخاطرة هذه المرة أكبر بكثير.
لقد دخلت لاعبة جديدة ومهددة إلى حلبة الصراع السياسي في هذه السنة، الليرة التركية التي تدهورت إلى حضيض غير مسبوق وخلقت مشكلة للعملة الصعبة في الدولة. مواطنون ومستثمرون اتراك يبذلون كل ما في استطاعتهم لإخراج توفيراتهم إلى خارج الدولة أو شراء الدولارات والذهب بدل الليرة التركية. بين أردوغان وبين البنك المركزي التركي يجري صراعا شديدا على نسبة الفائدة. في حين أن البنك يقوم برفعها لكبح التضخم الذي وصل إلى 10 في المائة، فإن أردوغان يطلب خفضها لتشجيع التطور والنمو.
في حملته الانتخابية تعهد بالأشراف على السياسة النقدية، أي خفض نسبة الفائدة، وهي خطوة تخيف المستثمرين والمؤسسات الدولية المالية التي تخشى من تدهور الاقتصاد التركي. أردوغان الذي يدين بمعظم نجاحه على قدرته على انقاذ تركيا من الازمة الاقتصادية الشديدة التي سادت في سنوات الالفين وإلى السياسة التي ادت إلى نمو سنوي مثير للانطباع، وجد نفسه في هذه السنة عالق في وضع لم يعد فيه سحره الاقتصادي مثلما كان.
الحرب في سورية والتدخل العسكري التركي في القتال في شمال الدولة ضد الاكراد تساعد أردوغان على تجنيد الحركات القومية إلى جانبه. ولكن بموازاة ذلك تزداد الاصوات التي تنتقد الحكمة من القتال في سورية التي انشأت صدعا في العلاقة بين واشنطن وانقرة. 4 ملايين لاجئ سوري الذين يلقون عبئا اقتصاديا واجتماعيا ثقيلا على الدولة اصبحوا ورقة سياسية تستخدمها الأحزاب الوطنية التي تطالب بإعادتهم إلى سورية.
على المستوى الداخلي، قدر أردوغان بأن تقديم موعد الانتخابات سيضبط احزاب المعارضة وهي غير مستعدة وخاصة حزب "الجيد" الجديد، الذي أوشك على عدم قدرته على التنافس في الانتخابات لأنه لم يكن لديه عدد المقاعد المطلوب في البرلمان. هذا الحساب احبط الحزب الجمهوري الذي 15 من أعضائه انضموا لحزب "الجيد". هذا الحزب رغم أنه ليس حزبا كبيرا إلا أن من شأنه أن يهدد الآن الحزب الوطني، حليف أردوغان الذي انشقوا عنه. الحزب الكردي الذي في الانتخابات السابقة اجتاز للمرة الأولى نسبة الحسم (10 في المائة)، قام أردوغان بتحطيمه عندما اعتقل معظم اعضاء قيادته منهم دمرتاش، وبناء على ذلك قدر بأن الاقلية الكردية لن تشكل في هذه المرة أي تهديد.
ولكن اينجا، خصمه، قرر بحكمة أن يقرب اليه الاقلية الكردية عندما زار في السجن دمرتاش واطلق وعودا بتنمية المنطقة الكردية. أردوغان رد بزيارات خاصة به وعدد من شعارات حزبه تم نشرها باللغة الكردية، لكن العداء تجاهه منقوش عميقا في الوعي الكردي على خلفية الحرب الفظيعة التي شنها ضدهم في جنوب شرق تركيا. توجد لحزب العدالة والتنمية حقا كتلة كردية داعمة التي تبلغ حسب التقدير 1.5 مليون ناخب.
وللحزب الكردي تتوقع الاستطلاعات 9 في المائة، أقل 1 في المائة من نسبة الحسم، لكن معظم أصوات الاكراد ستتوزع بين المرشحين الاكراد المستقلين وبين الحزب الكردي. ومن هنا جاء احتمال أن تستطيع المعارضة الاستناد عليها في الانتخابات، سواء للرئاسة أو البرلمان، وأن تعزز قوة حزب العدالة والتنمية. إذا قرر أردوغان الانتقال إلى انتخابات مبكرة، يمكن أن يجد نفسه أمام بنية سياسية صلبة يمكنها أن تضعفه أكثر.
من أجل الاجابة على الاسئلة الثلاث الاساسية: نجاح أردوغان في انتخابات الرئاسة، قوة حزبه في البرلمان وحجم المعارضة بعد الانتخابات – ستكون أهمية كبيرة لاستمرار طريقة الحكم وعلى مكانة تركيا في الشرق الاوسط وفي العالم. في السنوات الخمسة الاخيرة تحولت تركيا إلى دولة عظمى اقليمية وإلى عامل استراتيجي تؤثر سياسته على الحرب في سورية وعلى قوة إيران الاقليمية وعلى حجم تدخل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط.
معارضة قوية يمكن ليس فقط أن تحدد صلاحيات أردوغان القانونية الواسعة، بل أيضا أن تعيق قرارات تتعلق بالإدارة اليومية للدولة، وحتى أن تمنع سن قوانين تهدف إلى المس بحقوق الانسان والمطالبة بتوقف تركيا عن تدخلها العسكري في سورية. في المقابل، اذا نجح أردوغان في الحصول على الاغلبية التي يطمح اليها، وأن يعزز مكانته كرئيس قوي غير خاضع لضغوط سياسية، سيبدد المخاوف من عدم الاستقرار السياسي، التي تخيف في المرحلة الحالية المستثمرين الاجانب.
هذه ستكون حقا بشرى صعبة للقطاعات الليبرالية في تركيا التي تكبدت ضربات قوية منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016. مراسلون وأكاديميون ورجال دولة متهمون بالخيانة يمكن أن يتلقوا ضربة اخرى من الاحكام والملاحقات. ورجال أعمال محسوبون على معارضي أردوغان لن يستطيعوا أن يكونوا متأكدين من أنه يمكنهم السيطرة عليهم بعد أن تم اغلاق نقابات كبيرة في السنتين الاخيرتين. في نفس الوقت بالنسبة للدول الغربية التي تفضل دائما عقد الصفقات مع قادة ذوي صلاحيات، لا سيما في الشرق الأوسط، فإن رئيس تركي قوي هو بشرى ليست سيئة، رغم الخلافات الشديدة بين أردوغان ورؤساء الدول الأوروبية ورئيس الولايات المتحدة.