"التحرش الإلكتروني": إزعاج وملاحقات تؤذي الآخرين

يرى مختصون أن التحرش الالكتروني اضطراب نفسي وسلوكي يؤذي الآخرين وصاحب التصرف يحتاج لعلاج - (أرشيفية)
يرى مختصون أن التحرش الالكتروني اضطراب نفسي وسلوكي يؤذي الآخرين وصاحب التصرف يحتاج لعلاج - (أرشيفية)

منى أبو صبح

عمان- “الحمد لله على نعمة البلوك”، بهذه الوسيلة تتخلص الثلاثينية رانية من المضايقات و”المعاكسات” التي تصلها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قائلة “كما يحدث في واقع الحياة، فإن مواقع التواصل لا تخلو من مضايقات تتعرض لها الأنثى”.اضافة اعلان
“التحرش عبر الواقع الافتراضي أدهى وأمر”، وفق رانية، التي تشير إلى “صعوبة الوصول لهؤلاء الأشخاص ومعرفة هويتهم، خصوصا إن كانوا بأسماء مستعارة”.
وعن تجربتها الشخصية، تروي رانية “بمجرد نشر صورة لي تزداد طلبات الصداقة، ويدخلون للخاص لإرسال رسائل الإعجاب والتغزل”، متابعة “البعض يفتح مواضيع غير ذات قيمة لمجرد الحديث، وفي أوقات غير مناسبة”.
وتلفت رانية إلى أن من بين المضايقات التي تأتيها أن البعض يدعي أنها فتاة أحلامه، وآخرون يتغزلون ويعرضون التعارف واللقاء، واصفة طرق البعض بـ”المخلة للأدب واللياقة والكياسة”.
وقد أخذ مصطلح “التحرش الإلكتروني” بالانتشار للتعبير عن حالات من المضايقة والملاحقة، تتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الهواتف الذكية كـ”الواتس أب” وغيره، وتتنوع تلك الحالات التي يترتب عليها إلحاق الأذى بالآخرين، فمنها الإزعاج والملاحقة، بدعوى الإعجاب أو الحب، ومحاولة إقامة علاقات من هذا القبيل.
بالإضافة إلى أن بعض الرسائل تتضمن ألفاظا فاضحة، وصورا خادشة للحياء، ومقاطع فيديو أو روابط لمواقع إباحية، ومنها أيضا ما يقصد منه الوصول إلى أغراض دنيئة لها علاقة بالجريمة والانحراف الأخلاقي، كالوصول إلى بيانات الضحية وصورها، ومن ثم استخدام ذلك ضدها في محاولة لابتزازها وإخضاعها.
ولا يقف “التحرش الإلكتروني” على الكبار، بل إن والدة الطفلة (روان) ذات الاثني عشر عاما استطاعت الوقوف بجانب ابنتها عندما تعرضت لمضايقات عبر موقع التواصل الاجتماعي؛ حيث لاحظت في الآونة الأخيرة سلوكيات غريبة على ابنتها مثل الانطوائية والأرق.
تقول الأم “تحدثت إلى ابنتي وفهمت التفاصيل منها بأن هناك شخصا عبر “فيسبوك” يضايقها، ويتعدى على خصوصيتها ويريد معرفة العديد من المعلومات عنها وعن عائلتها، وبدأ تهديدها شيئا فشيئا إن لم تستجب لمطالبه في الحديث معه وعرض عليها الخروج معا”.
رد فعل الأمر بعد أن استمعت للقصة من ابنتها، أن قامت بتهدئة ابنتها وتحدثت عبر “فيسبوك” معه مهددة إياه باتخاذ الإجراءات اللازمة بإبلاغ الشرطة إن لم يتوقف عن التحرش بابنتها، وسرعان ما انسحب واختفى كليا عن الظهور في صفحتها.
التحرش اضطراب سلوكي
يبين الاختصاصي النفسي د. محمد الحباشنة، أن وسائل الاتصال فرضت نفسها، ولا أحد يستطيع الهروب منها أو البقاء بمعزل عنها، وفي هذه الحالة على مستخدمها الحذر، حيث إنه سيكون عرضة للكثير من هذه السلوكيات المزعجة والمضايقات، ويجب أن يكون على معرفة بكيفية التعامل مع مثل هذه الحالات.
كثيرا ما ربط الأطباء النفسيون وعلماء النفس بين التحرش كسلوك وبين المرض النفسي، بل إن منهم من ذهب إلى أن “التحرش هو في حقيقته اضطراب سلوكي ناتج عن مرض نفسي، وأن المتحرش شخص مضطرب نفسيا وسلوكيا، ويستلزم إخضاعه لعلاج نفسي حتى يتمكن من تجاوز هذا الاختلال في الشخصية”.
ومن جهته، يشير الاختصاصي الاجتماعي د. حسين الخزاعي، إلى أن السبب الرئيس للتحرش الإلكتروني يعود إلى “الفهم الخاطئ للحرية”، وأن الذي يجلس خلف شاشة صغيرة أو يستخدم الإنترنت من خلال الأجهزة الذكية يعتقد بأن “حريته في التعرض للآخرين أحد يحاسبه عليها فهو حر في تصرفاته كونه بعيدا عن المراقبة”.
ويقول “التربية والتنشئة الاجتماعية تغفلان الحديث والتربية في مستجدات العصر والتكنولوجيا قبل توفيرها للأبناء”، مشددا على ضرورة “توعية الأبناء بالأضرار النفسية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عنها”.
كشف الذات تكنولوجيا
ويضيف الخزاعي “يجب التركيز على الشباب في مرحلة المراهقة، فهم في هذا العمر تكون لديهم الرغبة الكاملة في المبادرة والمغامرة والتعرف على الجنس الآخر”، فضلا عن أن “البعض يعاني من الخجل والانطواء والخوف من التعرف على الآخرين في الواقع فيلجأ إلى إخراج الكبت وكشف الذات من خلال التكنولوجيا”.
ويصف الخزاعي “التحرش الإلكتروني” بـ”السلوك الخطير والمنبوذ”؛ لأنه يلحق الأذى بالآخرين ويسبب لهم الأرق والتوتر والإرباك وفيه إزعاج.
الخبيرة في مجال تكنولوجيا المعلومات وثقافة الإنترنت هناء الرملي، تعرف التحرش الجنسي عبر الإنترنت حسب منظمات حقوق الإنسان الدولية على أنه توجيه كلمات غير مرحَّب بها، أو القيام بأفعالٍ لها طبيعة جنسية، أو الإيحاء الجنسي المباشر أو غير المباشر، والتي تنتهك السَّمع أو البصر أو الجسد، وتتعدى على خصوصية الفرد أو تجرح مشاعره، وتجعله غير مرتاح، وفاقد للشعور بالأمان أو احترام الذات، بسبب ما تعرَّض له من ترويع أو إساءة أو إهانة، وهو فعل ناجم عن هوَس جنسي مريض.
وتتعدد أشكال التحرّش، وفق الرملي، تبعاً لطبيعة المجتمع، ودرجة وعيه وثقافة أفراده، ووفقاً للقوانين المطبّقة فيه. كما أن التحرش الجنسي عبر الإنترنت أنواع (التحرش اللفظي، التحرش البصري، التحرش بالإكراه).
وتشير إلى أن هناك دراسات تقول إن هناك طفلا أو طفلة يتعرضون للتحرش الجنسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي في اليوم، كذلك هناك دراسة تقول إن هناك 750 ألف متحرش جنسيا بالأطفال عبر الإنترنت في الدقيقة الواحدة.
وعن الحلول التي تحد من التحرش الإلكتروني، تقترح الرملي إقامة برامج توعية في المدارس، ويجب إدخال ثقافة استخدام الإنترنت والحماية من مخاطرها كمنهاج أو جزء من منهاج مدرسي، في مدارسنا العربية كافة، إقامة برامج توعية للآباء، من خلال المحاضرات وورش التدريب.
وتنوه إلى أنها قامت بدورها بإنشاء برنامج متخصص منذ أكثر من عشر سنوات أسمته برنامج ثقافة الإنترنت المجتمعية يشتمل على مجموعة محاضرات وورش تدريب للأبناء والآباء، إضافة إلى موقع متخصص؛ حيث كان يعزز ويسلط الضوء على الاستخدام الايجابي للإنترنت، والتعريف بسلبيات الإنترنت ومخاطرها وطرق الحماية منها، الطرق التربوية والتقنية على السواء.