التخريب الثقافي المتعمد في أميركا

بيتر ب. كريس*

ستوني بروك - كلما سمعت عن هدم الكنوز الأثرية وتحطيم المنحوتات والتماثيل بأيدي مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية"، يتبادر إلى ذهني ذلك الهجوم الذي يشنه الساسة في الولايات المتحدة على العملية العلمية. إن بنيتنا العلمية الأساسية -الوسيلة الأساسية التي نفهم بها العالم ونتمكن بها من تحديد التهديدات وصدها والسعي نحو تحقيق مستقبل أفضل- تتعرض للهجوم من المشرعين الذين يعتبرون العِلم عقبة تحول دون تحقيق أهدافهم، وهو بالتالي هدف يجب إزالته والتخلص منه.اضافة اعلان
قد تبدو هذه المقارنة مفرطة في المبالغة. فقد يزعم المرء أن التدخل في الأفكار أو التصادم معها ليس كمثل تدمير الأشياء المادية الثمينة، وأن ترقيع المسؤولين المنتخبين للتشريعات لا يمكن أن يقارن بمقاتلين مسلحين تتضمن أنشطتهم الأخرى بتر الأيدي وقطع رؤوس الأبرياء. وربما يبدو كل من يعقد مثل هذه المقارنات وكأنه وقع ضحية للخطاب السياسي غير العقلاني الذي يجتاح بالفعل الحملة الانتخابية الرئاسية في أميركا.
ولكن، اسمحوا لي أن أعرض التالي: في العام 2010، أشارت تقديرات لجنة العلوم التابعة لمأمورية الموارد الساحلية في نورث كارولينا إلى ارتفاع في مستويات سطح البحر، والذي قد يهدد بعض المجتمعات في المناطق الخفيضة على مدى القرن القادم. وكان رد المشرعين في الولاية هو إقرار مشروع قانون يقضي بمنع صناع السياسات من استخدام النتائج التي توصلت إليها اللجنة، وبالتالي تسبب ذلك في تقويض قدرة المسؤولين على الوفاء بواجبهم الأساسي المتمثل في حماية سواحل الولاية ومواردها ومواطنيها.
وعلى المستوى الوطني، أقر مجلس النواب الأميركي مؤخراً مشروع إعادة الموافقة على قانون "أميركا تنافس" للعام 2015، والذي يقضي بحظر استخدام البحوث التي تمولها وزارة الطاقة في رسم السياسات. والواقع أن اللغة المستخدمة في قسم يتناول الطاقة، كانت مقحمة بشكل واضح لحماية أصحاب مصالح النفط والغاز من الاكتشافات التي يتم التوصل إليها بشأن تأثير أنشطتهم على تغير المناخ. ولكن، إذا أقر مجلس الشيوخ مشروع القانون ووقع عليه الرئيس، فإن العواقب المترتبة عليه يمكن أن تمتد إلى ما هو أبعد من تغير المناخ، مع عجز المسؤولين عن استخدام أي بحث لوزارة الطاقة، والممول بأموال دافعي الضرائب لحماية المواطنين الأميركيين.
من ناحية أخرى، ما يزال لامار سميث، النائب الجمهوري من تكساس الذي تولى رعاية قانون "أميركا تنافس"، يواصل سعيه الذي دام عامين لاستخدام لجنة مجلس النواب للعلوم والفضاء والتكنولوجيا، والتي يتولى رئاستها، لتعديل عملية مراجعة الأقران وتقديم المنح في مؤسسة العلوم الوطنية، وهو ما يجعلها فعلياً مفتوحة لمراجعة الكونغرس.
كل هذه ليست حالات تنطوي على ساسة يختلفون حول ما إذا كان من الواجب عليهم أن يتصدوا لتهديدات مثل ارتفاع مستوى سطح البحر وتغير المناخ وكيف يتصدون لها؛ إنها تمثل قضايا سياسية وموضوعات صالحة للمناقشة في إطار أي نظام ديمقراطي. بل إنها في واقع الأمر أمثلة لساسة يتعمدون حجب معلومات حساسة وبالغة الأهمية وتتعلق بتهديدات خطيرة، ولأسباب حزبية، إن لم تكن شخصية. وقد قرروا أن السياسة يجب أن تقوم فقط على ما اختاروا هم تصديقه بالفعل، وليس على أدلة تجريبية تم التوصل إليها من خلال العملية العلمية.
هنا يكمن الرابط بين الساسة الأميركيين وتنظيم "الدولة الإسلامية": فكل من الجانبين ينخرط في عملية تدمير ثقافي تستند إلى دوافع إيديولوجية. والفارق هنا هو أن الساسة لن يعترفوا بدوافعهم الإيديولوجية. بل إنهم يعمدون بدلاً من ذلك إلى تبرير مواقفهم بزرع عدم الثقة في البينية الأساسية العلمية والتي تنتج الاكتشافات التي لا تروق لهم، ثم يسوقون حججاً واهية حول "عدم اليقين العلمي". ولا ينطوي ذلك على قدر هائل من الخداع فحسب؛ بل إنه يمنع المناقشة البنّاءة لقضايا بالغة الأهمية أيضاً، والأسوأ من ذلك أنه يشكك في العملية العلمية والمؤسسات التي تعتمد عليها الحضارة الحديثة.
بعبارة أخرى، دعنا نفترض أن تصورك الفطري الخاص لكيفية السفر يسمح لك بالانطلاق في رحلة طويلة بالسيارة من دون التزود باللوازم الأساسية، مثل رافعة السيارة أو مفتاح الإطارات أو أي شكل من أشكال الخرائط أو أنظمة الملاحة. وقبل أن تغادر، قمت بمسح معلومات الاتصال الخاصة بشركات تقديم الخدمات على الطريق من هاتفك الخليوي، استناداً إلى اعتقاد لا أساس له من الصحة بأن مقدمي الخدمة هؤلاء ليسوا مخادعين ويعملون لمصلحتهم الشخصية. وأخيراً، قمت باصطحاب عِدة أشخاص آخرين معك في الرحلة، من دون إطلاعهم على مدى كفاءة تجهيزاتك (أو رداءتها).
وفقاً للقانون الأميركي، ترقى مثل هذه التصرفات إلى "تعريض آخرين للخطر بتهور" أو "إهمال يستوجب العقاب". وعلى الرغم من ذلك، فإن الساسة ينطلقون في رحلات كهذه على وجه التحديد -ويواجهون قدراً بالغ الضآلة من المعارضة.
إن الحجج التي تستند إلى الحقائق، كتلك التي عرضها مقال افتتاحي صدر مؤخراً في مجلة العلوم، يجب أن تكون كافية لإرغام قادة الولايات المتحدة على تغيير نهجهم. ولكن الحقائق لا يمكنها أن تنافس الإيديولوجية. بل إن أي معارضة -حتى عندما تدعمها الأدلة التجريبية- تُصوَّر دوماً وكأنها هجوم على الإيديولوجية (المتفوقة) التي يعتنقها الساسة، سواء كانت ليبرالية أو تمليها أصولية دينية.
على هذه الخلفية، تبدو المقارنات الصادمة الصارخة التي قد تكون مهيجة بكيانات مثل تنظيم الدولة الإسلامية، وكأنها الأمل الوحيد لفضح حجم الضرر الذي يحدثه مثل هؤلاء الساسة. وربما ينبغي للمشاركين في المناظرة التالية بين المرشحين الرئاسيين أن يميزوا -من وجهة نظر أخلاقية- بين الساسة الذين يهاجمون العملية العلمية وبين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذين يدمرون الآثار القديمة. وينبغي لهذا أن يدفع بالمناظرة إلى الأمام.

*أستاذ الفلسفة في جامعة ستوني بروك في نيويورك، ورئيس التحرير المشارك في "الفيزياء في المنظور".
خاص بـ "الغد"، بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت"، 2015.