التدخين بين العادة والإدمان

على مدى عقود عدة، رفضت شركات التبغ الإقرار بأن التدخين يؤدي إلى الإدمان، رغم أن وثائقها الداخلية المبنية على الأبحاث الخاصة بها، والمحاطة بسريّة تامة، تثبت أن هذه الشركات كانت على علم بهذه الحقيقة منذ زمن، لكنها استمرت بإنكارها، لما قد يترتب عليها من تبعات قانونية وأخلاقية.اضافة اعلان
ففي العام 1994، أنكر سبعة من مدراء كبريات شركات التبغ أمام الكونغرس وتحت القسم، أن التبغ  يسبب الإدمان. لكن هذا الإنكار لم يصمد طويلاً أمام الحقائق العلمية القويّة، وضغط المؤسسات المجتمعية، والقضايا الكبيرة التي خسرتها هذه الشركات في المحاكم، ما اضطرها بعد أقل من عشر سنوات للاعتراف بأن التدخين يسبّب الادمان، وذلك في محاولة منها لترميم صورتها التي تشوهت كثيراً، واستعادة بعض من ماء الوجه، في ظل زيادة الوعي لدى المجتمع بمختلف مؤسساته بخطورة هذا المنتج.
فالتبغ يحتوي على مادة النيكوتين، وهي مادة تؤدي إلى الإدمان كما الهيروين والكوكائين. وفي دراسة لافتة حاول فيها الباحثون قياس مدى قدرة المدمنين على مواد مختلفة على الإقلاع عنها من دون تدخل دوائي، كانت النتائج مفاجئة. إذ تمكن 18 % منهم من الإقلاع عن الكحول، و40 % من الإقلاع عن الكوكائين، بينما أقلع 8 % فقط عن التدخين.
ويعزى السبب في الإدمان إلى أن المدخن عندما يسحب نفساً عميقا من السيجارة أو النرجيلة، فإن النيكوتين يصل إلى الدماغ خلال عشر ثوان، ما يؤدي إلى إحداث خلل في توازن بعض المركبات الكيماوية في الدماغ، وبشكل خاص في مركب "الدوبامين"؛ حيث يتم إفرازه بكثرة، ما يؤدي إلى تغيرات عدة في الجسم، ينتج عنها تغير في المزاج، ومستوى التوتر.
لكن هذه الأعراض المحببّة للمدخن لا تلبث أن تختفي نتيجة تناقص نسبة النيكوتين في الجسم، ليعود هذا الجسم إلى طلب المزيد، وهو ما يسمى بالأعراض الانسحابية؛ إذ يصبح المدخن كالذي يطارد ذيله، فيلجأ إلى أخذ كميات متزايدة من النيكوتين لمعالجة آثار نقص تركيزه في الجسم. ولذلك، يرى كثير من الخبراء أن التدخين لا يخفف من حدة التوتر، ولا يحسّن المزاج، وإنما يؤدي فقط إلى إزالة الأعراض الانسحابيّة التي تسبب في ظهورها.
ومن أعراض الإدمان على التدخين أن المدخن لا يستطيع وقف التدخين رغم علمه بضرره، ورغبته الصادقة في تركه. كما يصبح التدخين هو المحدّد للبيئة التي يفضل المدخن أن يجد نفسه فيها (أصدقاؤه، نشاطاته... إلخ). وأشارت الدراسات إلى أن ما نسبته 70 % من المدخنين يبدون الرغبة في تركه، ونصفهم يحاول ذلك فعلاً، لكن 5 % فقط ينجحون في ذلك.
ولا بد من التنويه هنا إلى أن الإدمان الكيميائي على النيكوتين ليس هو وحده ما يجعل التدخين إدماناً، بل هناك مزيج من العادات السلوكية، والعوامل العاطفية والنفسية، ما يجعل هذا النوع من الإدمان معقدا، ومتعدد الأسباب؛ منها ما هو جسدي أو نفسي. من هنا، فإن علاج هذا الإدمان يجب أن يأخذ بعين الاعتبار كل هذه العوامل مجتمعةً، لتحقيق أفضل النتائج في مساعدة الاشخاص على الإقلاع عن التدخين.



*مدير عام مركز الحسين للسرطان