التربية وترسيخ الانتماء

إيمان عارف العتيبي تتأصل في الإنسان فكرة الانتماء لمجتمعه والمكان الذي ولد ونشأ وترعرع فيه، وتنمو معه هذه الفكرة وتكبر وتظهر في سلوكه وأخلاقياته وأفكاره وعطائه، ومع نضوج الفرد عقليا وفكريا واجتماعيا تبدأ مرحلة انصهاره في مجتمعه وبيئته، وتبدأ معها رحلة العطاء والبناء مع تشكل القناعة لديه بمسؤوليته الاجتماعية، ومن هنا ندرك أهمية دور مؤسساتنا التربوية في تربية طلابنا اجتماعيا وتوجيههم توجيها سليما ومبرمجا نحو الانتماء لمجتمعهم، تلك التربية التي سيكون لها كبير الأثر على سلوكياتهم وانعكاسها على عطائهم وولائهم وانتمائهم لمجتمعهم مستقبلا. ونرى أن ترسيخ الانتماء يبدأ من مراحل عمرية مبكرة بدءا بالأسرة فالمدرسة فالمنظومات الشبابية والاجتماعية، مع عدم إغفال دور الدولة والقطاعات الحكومية والخاصة. وللمدرسة الدور الأكبر في التنشئة الاجتماعية السليمة ورعاية وتنمية مفهوم الولاء والانتماء من خلال المقررات التدريسية والأنشطة المرافقة وسلوك الكادر التعليمي كقدوة، فالمدرسة تتميز عن غيرها في تأثيرها وقدرتها على غرس الانتماء والولاء والمواطنة الصالحة وتشكيل شخصية الطالب وتحديد التزاماته من خلال تعريفه بمفاهيم الانتماء والمواطنة الصالحة وخصائصها وأثرها الإيجابي على دراية المواطن بحقوقه وواجباته، وحرصه على ممارستها بشخصية مستقلة قادرة على حسم الأمور واتخاذ القرارات التي تحقق أهداف المنظومة الاجتماعية. وعلينا أن نبحث عن حلول ناجعة للأزمة التي يعيشها المواطن الأردني والذي وجد نفسه يعيش في ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة. اعتقد أنه من الصعب عليه في ظل هذا المناخ إظهار مشاعر الحب والانتماء بكل مستوياته وليس فقط الانتماء للوطن، ونقصد بمستويات الانتماء: الانتماء للأسرة والمدرسة والجامعة ومؤسسات العمل، ومن المنطقي في ظل هذه الظروف أن تخبو وتتوارى مشاعر الانتماء فظهر ذلك على مستوى الأسرة بضعف التماسك الأسري وتوتر العلاقة بين الآباء والأبناء، وفي المدرسة ظهرت حوادث العنف والانحرافات داخل المدرسة، وامتدت إلى الجامعات وما نشهده فيها من مظاهر العنف الجامعي ولم تسلم مؤسسات العمل فظهر فيها إهمال العامل وأداؤه لعمله بضجر وملل وعدم التزامه بمواعيد العمل والخشونة في التعامل مع الجمهور مما أدى إلى ضعف الإنتاجية. وإذا توارت مشاعر الانتماء للمستويات المذكورة، ضعف الانتماء للمجتمع الذي تلتقي عنده كل هذه المستويات، وهنا تكمن المشكلة والتي تبدأ من عدم تلبية وتأمين الحاجات الأساسية للفرد حيث يتولد لديه الحس بغموض المستقبل وعدم الشعور بالأمان والخوف من التعامل مع معظم مؤسسات المجتمع وبالتالي وقوعه في دوامة الإحباط واليأس مما يؤثر على ارتباطه بمجتمعه وبيئته. إن ما يجري في وطننا من أحداث ليس تعبيرا عن ضعف الانتماء أو عدمه وإنما هي فترة زمنية مرهونة بظروف اجتماعية معينة تؤدي إلى تراجع غالبية القيم والمشاعر الإيجابية لدى الفرد وتقدم السلوكيات السلبية عليها. فكيف نتغلب عليها؟ وما هي السبل لإعادة ترسيخ قيم الانتماء والولاء لدى أبناء مجتمعنا؟ وإذا كنا نرى أن على المؤسسات التربوية أن تخلق الدافع الحقيقي للانتماء لدى الطلبة كونهم سيشكلون شرائح المجتمع المختلفة مستقبلا، فإننا نرى بالمقابل أنه يقع على عاتق الدولة بقطاعاتها المختلفة – إلى حد كبير - مسؤولية ترسيخ هذا الانتماء، من خلال تحقيق العدل والمساواة والتطبيق الحازم والصارم للقانون، وتلبية احتياجات الفرد الذاتية ليتولد عنده الشعور بالأمان، والإحساس بأن لحياته فائدة ولوجوده قيمة ولوضعه حماية من الضياع والاغتراب، وعندها سيكون مستعدا للتضحية من أجل مجتمعه ووطنه. ولو تضافرت جهود مؤسساتنا التربوية والشبابية والحكومية والخاصة وتمكنا من غرس الانتماء الصادق في نفوس الأفراد لأسرهم ومدارسهم ومراكز أعمالهم فإننا نكون قد حققنا انتماءهم لمجتمعهم ووطنهم، وعندها ستشهد كل مؤسسة من هذه المؤسسات نهضة مستمرة ودائمة في عملها وتتنامى السعادة بين أفرادها ويقوى إيمانهم بالعمل الجماعي الهادف إلى بناء وطن قوي ومجتمع متماسك. فمواطننا يستحق أن يستمتع بالعطاء ويفرح بالإنجاز، ويستحق وطننا أن ينعم بالأمن والاطمئنان. وبعد أليس من حقنا أن نشهد مساهمات مؤسساتنا التربوية في تهيئة وإعداد جيل يتصف بالولاء والانتماء ليظهر أثر ذلك على سلوكه وأدائه مستقبلا؟اضافة اعلان