"الترهيب المعنوي".. هل يدرك الآباء أبعاد الأذى النفسي على حاضر ومستقبل الصغار؟!

figuur-i
figuur-i

ربى الرياحي

عمان- الكوابيس والشعور الدائم بالخوف والبكاء هي علامات ترافق الطفل عمار الذي لم يتجاوز التاسعة من عمره. سلوكيات غريبة أصبحت تسيطر عليه مؤخرا، وتحديدا بعد إخفاقه في أحد الامتحانات المدرسية رغم محاولاته لتخطي تلك المادة، إلا أن خوفه من تهديدات والدته أكبر وأعمق أثرا في نفسيته؛ إذ كانت لها نتيجة معاكسة تماما.اضافة اعلان
طريقة الترهيب هذه لم تجد نفعا مع عمار الذي بات سجينا لحكايات مخيفة تتعمد والدته أن تسردها على مسامعه لتشعره بصعوبة العقاب الذي ينتظره في حال أخفق في الامتحان.
الأم لم تهتم أبدا بخطورة ما تفعله مع ابنها، بل على العكس تفننت في إطلاعه على قائمة العقوبات وعلى رأسها الحبس في الغرفة المعتمة، كل ذلك حتما أفقد عمار الشعور بالأمان، وأصبح يخاف من كل شيء وحتى من بقائه وحيدا. قلبه البريء امتلأ بمشاعر الحزن والقهر وأصبح ضحية لتصرفات أم غير مسؤولة لا تفقه من أساليب التربية شيئا. يعتقد بعض الآباء أن أسلوب الترهيب والتخويف هو الحل الوحيد لتقويم سلوك الأطفال وتأديبهم وردعهم، غير مدركين مدى التأثير السلبي لذلك؛ إذ يلجؤون إلى استخدام كل الأساليب المؤذية وخاصة تلك المعنوية منها، ظنا منهم أن هذه هي التربية الصحيحة والتي من شأنها أن تجعلهم مسيطرين أكثر على أبنائهم حتى لو كان ذلك سيقيدهم حركيا ونفسيا ويفقدهم الإحساس بالأمان والسعادة، وسيحولهم إلى أطفال مهزوزين ضعفاء يخافون من كل شيء.
المشكلة الكبرى في ذلك هي استعانة هؤلاء الآباء بالرموز الخيالية المخيفة والتهديدات القائمة على أقسى أساليب التعذيب النفسي، متجاهلين حقيقة مهمة تنحاز لاتباع التوازن في الجمع بين الحزم واللين كمنهج تربوي فعال ومنضبط يعود على الطفل بالكثير من الآثار الإيجابية، وبالمقابل تجنبه حتما تلك العقد النفسية التي غالبا ما تبقى محفورة في أعماقه حتى بعد أن يكبر.
أبو زيد هو أيضا وجد في الترهيب طريقا يسلكه لتربية ابنه الصغير والمعروف بشقاوته الشديدة والمزعجة، هو ورغم صغر سنه إلا أنه بات مصدر ضيق وقلق لكونه لا يكف عن الحركة وإيذاء الجيران، الأمر الذي دفع والده إلى تهديده ومعاقبته معنويا من خلال تخويفه المستمر له وإخباره بأنه سيرميه في الصحراء وسيدع الذئاب تأكله إذا لم يتوقف عن المشاغبة والتخريب، بل وأكثر من ذلك حاول مرارا إيهامه بأنه سيعلقه في سقف الغرفة وتعمد أن يكون جادا معه حتى لو ظاهريا ليشعره بصدق تنفيذ ما يقوله.
غير أن هذه الطريقة في الردع والتهديدات انعكست سلبا على حياة الطفل، وتسبب ذلك في انطوائه وحزنه بعد أن كان شعلة نشاط وحيوية، خوفه من أن ينفذ والده تهديده أبقاه متوترا دائما شارد الذهن.
ويرى الأخصائي التربوي الأسري الدكتور عايش نوايسة، أن الأهل يمارسون عادة كثيرا من السلوكيات مع الطفل من باب الحرص عليهم وعلى مستقبلهم، وفي الواقع كثير من هذه الممارسات تؤثر سلبا على النمو النفسي والانفعالي والاجتماعي، ومنها مثلا تخويف الأطفال بقصص وحكايات ومواقف مرعبة. ومن المعروف أن صناعة الخوف لدى الأطفال تسهم بصورة كبيرة في تشويه سلوكياتهم الطبيعية وتعيق نموهم، وفق نوايسة. فالخوف هنا يبدأ تدريجيا مرتبطا بالخيال، ومع مرور الزمن يستوطن الخوف في نفس الطفل ويتحول إلى عادة تسيطر على تفكيره وتوجهه في كل المواقف التي يتعرض لها أو يشارك فيها فيخشى من التحدث إلى الغرباء ومن التعبير عن رغباته ومن مواجهة المجتمع، ويتحول الخوف من وسيلة إلى صفة تفرض نفسها وتسيطر على شخصيته طوال العمر.
وبحسب النوايسة، وجب على الأهل والمربين توفير بيئة تسمح للطفل بالنمو الطبيعي فيها بشكل متوازن بين الجوانب النفسية والاجتماعية والانفعالية بعيدا عن كل أشكال التخويف والترهيب ومن خلال إحداث توازن بين الثواب والعقاب وبشكل واقعي.
اختصاصي علم الاجتماع مفيد سرحان، يشير إلى أن التربية فن لا يتقنه الجميع، وهي عملية بحاجة إلى دراية وعلم وخبرة وتدريب، فالأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع وإدراك المربي لهذه المعاني هو الذي يجعله حريصا على المهمة الكبرى التي يقوم بها وهي مسؤولية وأمانة وربما تكون المهمة الأخطر، وهي تعني بناء الإنسان.
ويؤكد سرحان خطورة استخدام أسلوب الترهيب والتخويف بدلا من أسلوب التوجيه والإقناع والقدوة الحسنة، لأن ذلك له آثار سلبية على شخصية الطفل ومن الممكن أن تبقى هذه الآثار بعد فترة البلوغ والشباب.
ومن مظاهر هذا التأثر، وفق سرحان؛ ضعف الثقة بالنفس وضعف الشخصية وعدم المبادرة وربما الأحلام المزعجة والخوف الدائم وعدم القدرة على الحوار والتلعثم في الحديث وربما الاستسلام وعدم الدفاع عن النفس.
والتربية السليمة تعزز الشعور بالثقة وقوة الشخصية والقدرة على التعامل مع الآخرين سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو المجتمع، و"نحن في مجتمعاتنا بحاجة للتركيز على بناء الإنسان فهو مصدر القوة". ومن هنا، وبحسب سرحان، فإن الحاجة كبيرة إلى تدريب الوالدين تماما على أساليب التربية قبل الإنجاب، وهذا يشمل مراحل العمر المختلفة، ومن الضروري لجوء الآباء إلى استشارة المختصين عند الحاجة وعدم التقليل من أهمية الدور المطلوب منهم وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقهم.