"التسرب المدرسي": جهل ومخاطر اجتماعية

تعود ظاهرة التسرب إلى الظروف الاسرية والبيئة التعليمية حيث يرغب بعض الطلبة بالهروب من المدرسة - (أرشيفية)
تعود ظاهرة التسرب إلى الظروف الاسرية والبيئة التعليمية حيث يرغب بعض الطلبة بالهروب من المدرسة - (أرشيفية)

منى أبو صبح

عمان-اتخذ الطالب ابراهيم في المرحلة الإعدادية وأصدقاؤه الأرصفة مكانا لتجمعهم لحظات هروبهم من مدارسهم، فبمجرد إثبات الحضور وانتهاء الحصة الأولى يسارع كل منهم وبشكل فردي وبطريقته الخاصة الخروج من الصف. اضافة اعلان
يوضح ابراهيم أن “سوء معاملة” بعض المعلمين له واتباع أسلوب “العقاب البدني”، من الأسباب المباشرة في تركه للمدرسة، حيث يحاول الهروب منها بكل وسيلة، حيث زرع هذا الأمر في نفسه مشاعر “الحقد والكره للتدريس والمدرسة”، وفق قوله.
تسرب التلاميذ من المدارس، من “أخطر” مشاكل التربية والتعليم في المجتمعات المختلفة، وفق تربويين كونها “إهداراً تربويا” لايقتصر أثره على الطالب فحسب، بل يتعدى ذلك إلى جميع نواحي المجتمع، فهي “تزيد معدلات الأمية والجهل والبطالة، وتزيد الاتكالية والاعتماد على الآخرين”.
كما أن التسرب يفرز للمجتمع ظواهر “خطيرة” كعمالة الأطفال واستغلالهم، فضلا عن الزواج المبكر، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة حجم المشكلات الاجتماعية المختلفة، بحسب مختصين.
طالب الصف العاشر سامي يقول خرجت من المدرسة “للعنف الذي يستخدم معي من قبل بعض المعلمين وكذلك الطلبة”، متابعا أن المدرسة صارت في مفهومه “سجن او مكان يجب أن تطغى فيه القوة على العلم”.
ويشاطره الرأي صديقه مصطفى الذي يقول بأنه ترك الدراسة “لعدم قناعته بالتعليم وأن العمل في السوق هو الأفضل، وأن المدرسة لا تنفع”، وفق رأيه.
ويضيف، كنت أهرب من المدرسة منذ بداية الدوام وأذهب للعمل في السوق، حيث وجدت ذلك أفضل، كما أن هذا الإجراء “أسعد أهلي كثيرا، حيث لا مصاريف ولا ملابس تكلفهم، بل على العكس أنا أصبحت أعطي المال لأهلي وأساعدهم”.
وأثناء تواجد مجموعة من الطلبة المتسربين من مدارسهم في منطقة أخرى ذكر الطالب علي في الصف التاسع، أنه يرى بأن التعليم “ليس مهما في الحياة”!، مرجعا رأيه إلى أن “أخاه درس في الجامعة وتخرج منها، وحتى الآن لم يحصل على عمل”، متسائلا “لماذا أدرس وأنا أعرف نهاية الطريق؟!!”.
أما صديقه فيصل في ذات الصف فيقول “أخرج من مدرستي بكل أريحية وبدون الاضطرار للقفز عن سور المدرسة، بل أخرج من الباب مباشرة”، متابعا “لا أتغيب عن الحصص دائما، ولكن أشعر أحيانا بالملل من المواد الدراسية المقررة، واستفزازات المعلمين وصراخهم، ما يدفعني وأصدقائي للتخطيط للخروج منها وشراء الأطعمة والمشروبات”.
وتوضح التربوية ومديرة إحدى المدراس الحكومية د. أمل بورشيك معنى التسرب المدرسي فهو الانقطاع عن المدرسة قبل إتمامها لأي سبب، باستثناء الوفاة، وعدم الالتحاق بأي مدرسة أخرى أي عدم التزام الطالب بأيام الدوام الفعلية والمنصوص عليها في أسس النجاح والرسوب في بداية كل عام دراسي جديد وهي تتراوح ما بين 180 - 220 يوما حسب الأنظمة التربوية المعمول بها في العالم.
وتبين بورشيك العوامل التي تساهم في التسرب المدرسي وهي؛ اجتماعية واقتصادية تعود الى وضع الأسرة؛ منوهة إلى أن القدرات الجسدية والعقلية والبناء السوي للطفل يسهم في اندماجه بالمدرسة.
ويلفت المعلم خالد حسن في إحدى المدارس الحكومية إلى أن ظاهرة خروج الطلاب من المدارس وعدم إكمالهم المسيرة التعليمية ينتشر “بين الشباب أكثر من الفتيات”، مرجعا الأمر إلى “تأثير البيئة الأسرية والتنشئة على الطلبة، والوضع الاقتصادي لها”، حيث هناك طلاب يحاولون الهروب من المدرسة للبحث عن عمل لمساعدة الأسرة.
ويشير حسن إلى أن إهمال بعض الأهل لمتابعة شؤون أبنائهم الدراسية يتسبب في تسرب الأبناء من المدرسة، لافتا إلى أن بعض أولياء الأمور لا يعرفون الصف الدراسي الحالي لأولادهم، ولا يأبهون بحضور الاجتماعات أو مجرد السؤال عن الطالب، إلا إذا قامت المدرسة باستدعائهم هاتفيا لأمر ما.
ويرى حسن أن “المشكلة تقع على عاتق الأهل والمدرسة معا”، منوها إلى أن هناك أشخاصا محيطين بالطالب يشجعونه على الهروب من المدرسة، كما أن “عدم وجود” رقابة من الهيئة التدريسية كاملة في المدرسة يدفع الطالب ويغريه للهروب منها، إلى جانب استخدام أساليب “خاطئة” في التعليم لا يجد الطالب ذاته داخل المدرسة ولا يجد ما يتطلع إلى تحقيقه.
ويلقي والد الطالب محمد في المرحلة المتوسطة اللوم على المدرسة في هروب الطلبة منها وعزوفهم عن العودة إليها، ويقول “فوجئت بأحد الأيام بينما كنت متجها لعملي، بجلوس ابني محمد على أحد الأرصفة أثناء دوامه المدرسي المعتاد برفقة أصدقائه يدخنون السجائر”.
ويتابع “لم أتمالك أعصابي حينها وبدأت بالصراخ عليهم جميعا وليس على ولدي فقط، وقمت باصطحابه إلى المدرسة”، متابعا أن صدمته كانت أكبر بعد معرفته أن الهيئة التدريسية لا تعلم بهروبهم من صفوفهم فلم يكن منه سوى أن هددهم وتوعدهم بتقديم شكوى لمديرية التربية والتعليم إذا لم تتم الرقابة عليهم بشكل جيد، وإبلاغه بأي خلل في حال حدوثه.
أبو محمد استدرك ما ارتكبه ابنه، حيث جلس معه وحاوره وبين له مخاطر ما اقترفه وآثار ذلك سلبا على حياته، وأكد له أن العلم “سلاحه في الحياة ولابد له من إكمال دراسته”.
وفي سياق آخر يقول أبو نشأت “يعمل ولدي في محل لبيع الأدوات المنزلية، وقد ترك المدرسة من الصف الخامس ولم يتعلم شيئا”، مشيرا إلى أنه حاول مرارا أن يجعل ابنه يستمر في دراسته، غير أن محاولاته باءت بالفشل، لذلك قرر إرسال ولده للعمل لدى أحد أقربائه.
ومن أسباب التسرب وفق بورشيك، رغبة الطفل في إيجاد مصدر دخل، فضلا عن ضعف التحصيل للطالب وعدم قدرته على التعامل مع المنهاج المدرسي وعدم وجود من يتابعه فعلا لتحقيق الدراسة المثلى.
وتضيف بورشيك أن الانفعالات العاطفية التي يتعرض لها الطفل أو المراهق تؤثر في زيادة رغبته في الهروب من المدرسة، حيث يميل المراهق لـ “المخاطرة إلى درجة التهور، وتتسم تصرفاتهم باللامبالاة وغياب الشعور بالمسؤولية واللاواقعية، وعدم إدراك الأخطار التي قد تترتب على سلوكهم”.
ويتجلى ذلك، بحسب بورشيك، من خلال ما يصدر عن بعض المراهقين خارج منزل الأسرة لاسيما في الشوارع من سلوكيات يغلب عليها طابع الاندفاع وعدم التروي، وأحيانا الخروج عن الآداب العامة وعما هو متعارف عليه من تقاليد وقيم أخلاقية واجتماعية.
وحول من يتحمل مسؤولية التسرب المدرسي تقول بورشيك “الأسرة والمدرسة والمؤسسات التعليمية والمجتمع والطفل نفسه؛ لعدم انجذابه للجو العام في المدرسة وهروبه مع الأصدقاء لتجارب خاصة يمر بها خلال عملية التعلم”، فضلا عن أن “المعلم وعدم قدرته على استيعاب مشاكل الأجيال الناشئة والتغيرات المحيطة بالمجتمع وتحقيق رغبات الطفل، إلى جانب عدم تفعيل دور المرشد بالمدرسة، وعدم حسن تصرف الادارة”، من الأسباب التي تدفع الطلبة للتسرب من المدرسة.