التسول التجريبي

الاخبار التي تداولتها الصحف والمواقع عن التسول وثروات المتسولين مثيرة وتبعث على الاستغراب والحيرة. قبل ايام نشرت الصحافة المصرية خبرا يفيد أن احد المتسولين توفي تاركا ثروة بالملايين واستثمارات تكفي لإعاشة وتطوير بلدة متوسطة الحجم. المتسول الذي كتبت عنه الصحف وبثت حوله التقارير لا يختلف كثيرا عن المتسولين الذين نصادفهم في شوارعنا واحيائنا فهم يمتلكون مهارات عالية في التأثير ويطورون خطابا تفاعليا يولد الاستجابة التي يطمحون لتحقيقها من كل شخص يصادفونه.اضافة اعلان
لعدة عقود والمؤسسات الاردنية المعنية بالأمن والتنمية والشؤون الاجتماعية تحاول ايجاد حل لهذه المشكلة دون جدوى. الحقيقة ان اعداد المتسولين في زيادة واشكال التسول في تطور يفوق تطور اساليب الوقاية والمنع والضبط التي تلجأ لها الحكومات. خلال الاعوام الاخيرة ونتيجة للحروب والهجرات وتتابع الازمات الاقتصادية والاجتماعية دخل الى ميدان التسول نماذج جديدة من الناس لا يعتقد اي منا بانهم ضمن الفئات التي تقبل على هذا النشاط او تتخذ منه حرفة. الشابات والشباب السيدات في متوسط العمر والرجال اصبحوا يتسولون بخطاب جديد
البعض يفاجئك وانت عائد لسيارتك في الموقف بالقول اذا بإمكانك ان توصله الى المقصد او الجهة التي يسميها فما ان تجيبه بانك ذاهب باتجاه آخر حتى يحدد لك المبلغ اللازم ليستكمل اجور السيارة للمقصد ويضعك في موقف لا تملك إلا أن تستجيب. البعض الآخر يقفون امام الصيدليات ويعرضون عليك وصفة كتبت لهم ولا يملكون ما يكفي لصرفها. في الاساليب والطرق والقصص الجديدة الكثير من التغيير عن فكرة التظاهر بالعجز او بيع السلع البسيطة او تقمص شخصية المحتاج او اليتيم وغيرها من الاساليب التي اصبحت معروفة لغالبية الناس.
في تجربة استكشافية لوزارة التنمية الاجتماعية قبل ايام جرى تهيئة وتدريب شخص على ان يتظاهر بأنه عاجز وبحاجة الى المساعدة وقد اظهرت التجربة استجابة عالية من قبل المارة والمتسوقين حيث تمكن من جمع ما يزيد على 16 دينارا في ساعة واحدة. التجربة التي قامت بها الوزارة تؤكد ما هو معروف لدى العامة بأن التسول اكثر واسرع الوسائل لجمع المال دون جهد او حرفة اوعناء يذكر.
المشكلة الحقيقية ليست في اثبات اذا ما كان هذا الفعل مجديا من الناحية المادية ام لا وانما في تحديد العوامل الدافعة بالبعض الى هدر كرامتهم الشخصية والتخلي عن الاهداف التي تربى عليها الناس والداعية الى العمل والكرامة والكسب المشروع. الازاحة التي تحصل بكثافة عالية عن هذه الاهداف هي ما ينبغي ان تتناولها البرامج التربوية والثقافية والحكومية.
الواقع ان الكثير من الناس يحتاجون ويقعون ضحايا للازمات والضغوط الاقتصادية والعوز. السؤال الذي يحتاج الى اجابة من كل السلطات التربوية والاخلاقية والدينية والسياسية يتعلق بالعوامل التي تدفع بالبعض الى استسهال فكرة التسول واتجاه البعض الى العمل او الاستدانة او الصبر.
في الاردن والمجتمعات القبلية وحيثما يتوافر الترابط الاجتماعي والتجانس يتردد المحتاج كثيرا في اظهار حاجته ويتظاهر الناس بالغنى والاقتدار المادي حتى وهم في احلك واشد الظروف. العائلات المستورة مصطلح جرى نحته ليعبر عن حالة واوضاع بعض الاسر المحتاجة التي لا تسمح كرامتها بالسؤال مهما تعاظمت الحاجة وزاد منسوب الجوع والفقر والعوز.
التسول الذي اخذ يتنامى في مجتمعنا بأشكال وصور متنوعة جاء نتاجا للفقر ولإصرارنا على إهدار ما تبقى لدى الناس من كرامة بإشهار ما نقوم به من افعال وتصويرها. للحد من تنامي التسول ينبغي الحفاظ على الكرامة وتوفير اساسيات العيش ووقف كل مظاهر الاعلان والترويج لمن يقدم المساعدة للمحتاجين بل تجريم ذلك باعتباره هدرا للكرامة.