التسول في رمضان.. "مهنة" يتوسع نشاطها لكسب التعاطف وجني المال

التسول في رمضان.. "مهنة" يتوسع نشاطها لكسب التعاطف وجني المال
التسول في رمضان.. "مهنة" يتوسع نشاطها لكسب التعاطف وجني المال
ربى الرياحي – بأساليب ملتوية؛ يفترشون الشوارع ويخرجون من كل مكان بهدف أخذ المال، مكررين ذات المشاهد التمثيلية وبقصص يقصدون من خلالها إثارة عواطف المارة، وبإلحاح مستهلك. ينتشر المتسولون في الشوارع والأسواق وعلى الإشارات ويزداد الأمر مع قدوم شهر رمضان لكونه شهر الخير والصدقات، ومن أجل كسب المال يبدأ المتسولون بالاستجداء والكذب وسرد بعض القصص المحزنة مستغلين بذلك عواطف الناس وحبهم للعطاء. ويأتي كل ذلك ذلك تحت ذريعة الحاجة. الكثير من القصص تلاحق المتسولين والتي تتحدث عن ثروات يجنونها بطرق غير مشروعة تبقى الحيرة حاضرة لدى أغلب الناس تدفعهم لأن يتساءلوا عن مدى استحقاقهم للصدقة وهل يستسلمون أمام إلحاح المتسولين أم يلجأون للجمعيات الخيرية ودور الأيتام وغيرها من الأماكن الموثوقة وحتى البحث عن عائلات محتاجة؟ اختصاصي علم الشريعة الدكتور منذر زيتون يبين أن التسول عادة سيئة ليس فيها كرامة حيث أنها إذلال وتعريض النفس للإهانة. فالمتسول يسكب ماء وجهه مقابل بعض المال وقد يعطى وقد لا يعطى فهناك من يتطاول عليه، لافتا إلى أن الحاجة للمال لا تسوغ أن يمد الإنسان يديه فالأصل في طلب المال أن يكون بطريقة كريمة كأن يذهب الشخص لإحدى المؤسسات المتخصصة بدعم الفقراء أو أن يلجأ إلى أقاربه الذين من واجبهم أن ينفقوا عليه شرعا وقانونا. ويضيف زيتون أن المتسول لا يكتفي بمد يديه للناس بل أيضا يتعمد أن يظهر بصورة الشخص المتهالك الضعيف وفي ذلك إمعان في إذلال النفس. ولذلك يجب على المجتمع أن يوحد تقديم النفقات والزكوات إلى الجهات المتخصصة حتى يأخذ كل صاحب حاجة حاجته ويكون هناك عدل وإنصاف من خلال عمل دراسة لوضعهم الاجتماعي. ووفق زيتون، فإن أكثر المتسولين يمتهنون التسول ليس لأنهم بحاجة للمال أو لأنهم فقراء بل يمتهنونه طمعا وعادة ولأن هذه هي ثقافتهم، ويريدون أن يستكسبوا و”فعليا نحن عندما نعطي هؤلاء الأشخاص نحرم بالطبع أصحاب الحاجة الحقيقيين”. ويؤكد زيتون على ضرورة أن يكون لكل عشيرة أو عائلة صندوق للزكاة والتكافل الاجتماعي بحكم أن العشيرة الواحدة تعرف بعضها وفيها حتما الأغنياء والفقراء، وفي السنة النبوية فإن الزكاة تؤخذ من أموال الأغنياء وترد إلى الفقراء، منوها إلى عدم الاستجابة لكل سائل “لأننا بذلك نضع المال في غير محله ربما ونحرم منه من هو بحاجة حقيقية له والذي غالبا ما يكون متعففا عن السؤال”. إلى ذك، يقول زيتون “أننا قد لا نحقق الغاية الشرعية وهي أن الزكاة تكون للفقراء والمساكين إلى غير ذلك وبالتالي عندما نعطي المال لأي سائل دون أن نتحرى حقيقة نكون حتما ملومين كما هو في الحديث الشريف “تحروا لصدقاتكم”. ويوضح هناك استثناء بسيط في إعطاء المال، “إذا كان السائل رجلا كبيرا في السن أو امرأة كبيرة أو كان باديا على السائل علامات الصدق”، على عكس من يطلب المال ويتظاهر بالحاجة وهو ليس محتاجا، وهؤلاء للأسف يتلاعبون بعواطف الناس على أساس أن رمضان فيه الأجور تتنامى وتزداد وأن النفوس فيه تكون رقيقة فيستغلون هذه المشاعر لابتزاز الناس وأخذ أموالهم بغير حق. وترى خبيرة علم الاجتماع فادية إبراهيم أن التسول ظاهرة اجتماعية اقتصادية مركبة، فهي تتذرع بأسباب اجتماعية من أجل تحقيق مكاسب مادية باستخدام طريقة الخطاب العاطفي من حيث إثارة الشفقة والحزن عند المستهدفين للحصول على مبالغ نقدية في الغالب بسيطة. الأسباب الاجتماعية أو الدوافع لظاهرة التسول، البطالة وعدم وجود فرص عمل حقيقية، اليتم وفاة الأب أو الأم أو كلاهما وعدم وجود معيل حقيقي، الطلاق وانفصال الوالدين، المشكلات الأسرية ووجود العنف داخل العائلة، التسرب من المدارس، التشرد والهروب من المنزل، تعاطي وإدمان الكحول والمواد المخدرة. كذلك، وجود بعض العلل الجسدية والتشوهات الخلقية وبعض الإعاقات، أيضا بعض الأمراض النفسية والعقلية والأوضاع العامة في البلد مثل الظروف الاقتصادية الصعبة. وبغض النظر عن دوافع هذه الظاهرة أو أسبابها وسواء كانت الأسباب حقيقية أم زائفة، وسواء كان التسول حاجة أم مهنة يمتهنها البعض لا يستطيع أحد أن ينكر أنها من أبشع الظواهر الاجتماعية وطرق كسب الرزق لأن فيها تشويها لصورة المجتمع بشكل عام والمساس بكرامة وإنسانية بعض أفراده، واستغلال فئات المجتمع كالأطفال وذوي الإعاقة أبشع استغلال من أجل الحصول على المال. ومن المعروف، وفق إبراهيم أن هذه الظاهرة تزداد بشكل كبير في شهر رمضان المبارك والسبب واضح أن هذا الشهر الفضيل هو شهر الصدقات يزداد فيه الوازع الديني لدى الأفراد ويسعون لإخراج الصدقات من أجل الحصول على الأجر والثواب، فنرى المتسولين أمام المساجد والمراكز التجارية بكثرة في هذا الشهر الفضيل. وللحد من هذه الظاهرة أو التقليل منها يجب أولا دراستها من قبل المختصين دراسة حقيقية وعميقة لأنها من أقدم الظواهر انتشارا في كل المجتمعات حتى المتقدمة منها وإن اختلفت في بعض السلوكيات والأشكال وطرق التسول، أيضا التركيز على الجانب الثقافي في الموضوع وليس فقط الجانب الاجتماعي أو الاقتصادي، ولنطرح سؤالا لماذا تنتشر ظاهرة أو ثقافة التسول في منطقه دون الأخرى أو في مجتمع دون الآخر. وتلعب السياسات العامة للبلدان دورا كبيرا في الحد من الظاهرة ومعالجتها مثل سياسة الحماية الاجتماعية والتأمين الاجتماعي وكذلك الحماية الأمنية عن طريق الجهات الأمنية المختصة، والحماية القانونية التي تفرض العقوبات على مثل هذه الممارسات وتساهم في التخفيف منها. ومن المهم عمل شبكة للدعم الاجتماعي الخيري وتنظيم طلب المساعدة المادية والحصول عليها بأساليب حضارية تكفل كرامة الإنسان وتسهل عليه طلب المساعدة دون المس بكرامته وإنسانيته عن طريق مثلا المراكز والجمعيات الخيرية. أيضا؛ التخلص من دوافع وأسباب التسول من أجل إنهاء هذه الظاهرة مثل تحسين الأوضاع الاقتصادية وزيادة توفير فرص العمل، مكافحة ومحاربة انتشار المخدرات، وحل المشكلات الاجتماعية وضمان الحماية للأطفال وذوي الإعاقات. وتعمل الوزارة على الحد من ظاهرة التسول، حيث عززت ذلك عبر تكثيف الحملات المشتركة بالتعاون مع أمانة عمان ومديرية الأمن العام، وتعزيز الوعي المجتمعي بأسباب التسول وآثاره من خلال حملات التوعية أو من خلال بث الأخبار. تغليظ العقوبات على جرم التسول وفق النص المعدل للمادة 389 من قانون العقوبات رقم 10 لسنة 2022، سيسهم في التقليل من أعداد المتسولين، والحد من آثارها السلبية، حيث أصبحت المادة سارية منذ الأول من تموز الماضي. وأوضح، أن عقوبة التسول رفعت لتصل إلى سنة في حدها الأعلى بدلا من 3 أشهر، كما رفعت عقوبة التسخير لتصل إلى سنتين، وتغلظ على المكررين بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر إلى سنة، ولا يجوز استعمال الأسباب المخففة التقديرية. المادة 389 من قانون العقوبات رقم 10 لسنة 2022، تصف التسول بمن استعطى أو طلب الصدقة من الناس متذرعا إلى ذلك بعرض جروح أو عاهة فيه أو اصطنعها أو بأي وسيلة أخرى سواء أكان متجولا أم جالسا في محل عام، أو وجد يقود قاصرا دون السادسة عشرة من عمره للتسول وجمع الصدقات أو يشجعه على ذلك. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان