التسويق السياسي بين بناء التطلعات ورفع التوقعات

 قدرة النظام الإعلامي على رفع التطلعات مهمة وجيهة في تهيئة المجتمعات لقبول التغيير وتحفيز عمليات أوسع للمشاركة وبناء الدافعية المجتمعية نحو الانطلاق والعبور، لكن المشكلة تبدو حينما تتحول أدوات التسويق السياسي وعلى رأسها وسائل الإعلام إلى أدوات لرفع التوقعات بدل بناء التطلعات من دون رصيد حقيقي أو في أجواء حالة من الغموض والانتظار.

اضافة اعلان

 بناء التطلع مهمة مطلوبة لأنها تقوم على تحفيز القوى الذاتية وتحريك الراكد والخروج من حالة الاسترخاء والتطلع يبني الطموح ويولد الحافزية المجتمعية  وهو أساس المشاركة الاقتصادية والسياسية، بينما التوقع الذي يبنى على الآخرين عادة يرتهن بأفعال خارج الإرادة المجتمعية فيما تتحول هذه الإرادة إلى مجرد ردة فعل. 

  يؤدي التسويق السياسي المكثف لأي فكرة مبتكرة عبر وسائل الإعلام وأدوات الاتصال والتعبئة التي تدار من قبل السلطة والمجتمع من دون رصيد حقيقي  إما إلى حالة من رفع مستوى التوقعات أو حالة من الخوف والإحجام، والمشكلة تكمن حينما يتحول المجتمع إلى مختبر لقياس شعبية الأفكار، وفي كل مرة مطلوب منه ان يكفر بما أنتج من قناعات بعد ان تصبح رجسا من عمل الشيطان. 

     ويتضح ذلك جليا كلما وضعت مضامين حملات التسويق السياسي على المحك، أو إذا ما جد الجد واختبرت الوقائع مدى جدية تلك المضامين. الأمر الذي ولد قناعة لدى العامة بعبثية هذه الأنشطة وعدمية السياسة من خلفها، هذا من جهة، ووضع اليد من جهة أخرى على أهم مشاكل إدارة  البلاد من خلال الإعلام وعبر صراع النخب وأمزجتها، ما يكشف عدم القدرة على تأصيل أي فكرة مبتكرة وعدم ربطها بالعمق المجتمعي وشروطه الثقافية والسياسية قبل طرحها، بينما يبدو الأمر من زاوية أخرى بأن الإصلاح ومشاريع التغيير الكبيرة تحتاج إلى  تعريف الأولويات أولا ومدى واقعية البرامج ثانيا.

علاوة على أن الخطورة الحقيقية التي كشفتها حملات التسويق السياسي المرتبطة في أغلب الأوقات بأزمات أو أحداث دولية أو إقليمية تبدو في خلاصة باتت تلوح في الأفق ملخصها فقدان المجتمع الثقة بالتغيير وبالمستقبل.

من الناحية الأكاديمية الصرفة؛ ينظر إلى نظم الإعلام المقيدة وشبه المستقلة ومؤسسات التعبئة الأخرى في مرحلة الانتقال السياسي باعتبارها أدوات تمارس نمطاً من الإكراه السياسي المؤقت، الذي يخدم عملية التحول الديمقراطي ويقصر من عمرها بدلا من الاستمرار في حالة تأبيد هذا التحول إلى الأبد من دون انجازات حقيقية، بمعنى إدارة الصراع الاجتماعي سياسياً وأيديولوجيا لمصلحة ما يسمى بالغرس الثقافي للديمقراطية؛ أي تأصيلها مجتمعياً بالقيم والمعايير وتقديس التعددية. وبناء المهنية والاحتراف يتم على أساس القدرة على ممارسة الاستقلال والتعدد.

هذا الواقع  يفسر بعض جوانب العلاقة بين الإعلاميين والسياسيين  ودورها في تردي الحياة السياسية في هذه المرحلة، وبالتالي يبرز السؤال الأكثر أهمية؛ من يحدد ما يفكر فيه الناس باعتباره قضايا الساعة؟ وبكلمات أخرى؛ كيف يتم تعليب الرأي العام في قوالب جاهزة ؟.

  ان نمط العلاقات بين السياسيين والإعلاميين يعد أحد المفاتيح التي تفهم من خلالها مسارات وانحرافات الحياة العامة في مرحلة التحول الديمقراطي، حينما تتحول هذه المرحلة إلى عملية أبدية لا تنتهي وتبرز فيها ظواهر لا تصدق، من خلال إدارة الصراع الاجتماعي باتجاهات محددة بعينها لا مهمة لها سوى استمرار الأمر الواقع، ويتضح هذا الوصف حينما يحُتكر المجال السياسي العام من قبل الحكومة المركزية وقوة معارضة وحيدة لا غيرها، بينما يتم تكييف قوانين السوق  بما يخدم مصالح لا تتفق دوما مع النفع العام،  ما يجعل المجال العام بيئة غير صحية وعليلة؛ لا تؤسس لتنمية عناصر قوة الدولة، وليست معنية بجدل حقيقي حول السياسات وأرقام النمو ومحاربة الفساد أو التعرف الدقيق على مصادر التهديد الداخلية والخارجية.

[email protected]