التشكيلي خالد الجفيرات: امتداد الجذور في عمق الإرث التاريخي مصدر إلهامي

جانب من منحوتات الفنان خالد الجفيرات- (من المصدر)
جانب من منحوتات الفنان خالد الجفيرات- (من المصدر)
أحمد الشوابكة مادبا- بعطائه وإضافاته وتميزه، تجاوز الفنان التشكيلي والنحات خالد الجفيرات العادي والمألوف في ابتكار الأشكال والتأليف والتركيب ومزاوجة المواد والخامات، وذلك من خلال تجربته في إقامة وإشادة النصب النحتية في الميادين والساحات العامة لمدن المملكة. لا يفقد الجفيرات، وهو عضو رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، والحاصل على درجة البكالوريوس من كلية الفنون الجميلة من جامعة دمشق العام 1991، متعة الفن الذي تصنعه أنامله، فأبدع بمنحوتاته الحديدية والإسمنية ورسوماته الصادقة، بارزاً في إبداعاته الجمالية من خلال مجسماته النحتية التي تحاكي الواقع وتاريخ الأردن وجماليات مناطقه والحضارات التي مرت عليه عبر العصور والأزمنة، مؤكداً أنه بالمثابرة والإصرار، وما بين الرسم، ومطاوعة الحديد وصلابته، ينفذ مواضيعه وأفكاره بحرفية وتقنية عالية مكنته من الإبداع الحسي والبصري. ونشأ الجفيرات على ثقافة بصرية وحسية عالية، متأثراً بمحيطه وبيئته "ماعين" ذات الطبيعة الخلابة التي اكتسب منها خبرة كبيرة في التعامل مع المواد الفنية والخامة بمهارة عالية، وخاصة مع مادتي الحديد والاسمنت اللتين جسد منهما أشكالا وتحفا فنية رائعة، أخذت طابع الحداثة والمعاصرة، ونالت استحسان المهتمين والمشاهدين، لإبداعاته الرائعة، التي أثرت وفرضت وجودها على الساحة التشكيلية، بأجمل الأعمال والتحف الفنية. كما أنه ثبت مقدرته على تطويع المعدن والحجر والرخام والخشب والاسمنت بين يديه، يطويها وينشرها ويتحكم فيها، ليستخرج منها الأشكال التي يريدها لتكون أعماله في غاية الدهشة والتعبير عن كل ما هو جميل وشفاف في الطبيعة. وتميزت مهارة "الجفيرات" بالأسلوب واستثمار التراث والبيئة والبساطة في طريقة استخدام الخامات، وتحولها إلى عمل جميل مطلق في الفضاء يحاكي الفراغ من خلال بناء الكتلة النحتية. "أسعى لتجسيد ما يتمتع به هذا الوطن الجميل بحضارته وكنوزه الأثرية ليكون على مرأى الناس"، يقول الجفيرات، "كما أقوم بتنفيذ أعمال نحتية ومجسمات تحاكي تاريخ هذا الوطن"، مضيفاً "من هذه البيئة الغنية بأجمل مناظرها الطبيعية، كانت أعمالي تتغلغل في فني وتدخل أعماقي وإحساسي من دون استئذان، لكوني أعكس جماليات الطبيعة وتنوعها في أعمالي". ويضيف "لا شك أن الفنان يجسد بيئته في عمله، ويلجأ في بعض الأحيان وبمباشر لرسمها أو نحتها، وقد يقوم بذلك بشكل إيمائي، ويسكنها ويدخلها إلى عمله من دون أن يشعر لأنها سكنته منذ الصغر". ويستمر الإنسان بالعيش في بيئته، ويبقى يحبها، وينتمي إليها، ولكن هذا لا يعني، بحسبه، أن "يرضى عنها بكل ما فيها، لذلك يحاول الخروج عنها، أو عن قواعدها، فالإنسان متمرد بطبعه على واقعه الذي يعيشه". ويؤكد "حين يتمرد الفنان، ينقل تمرده إلى أعماله، ويعكس نظرته لبيئته من خلال عمله، فيكون الفن بمثابة وسيلة تحرر للفنان، ففي النحت الخلود والأبقى دائما، وهو قابل للديمومة، لكونه يحاكي الواقع بأسلوب تجريدي أحياناً ليعبر عن نبض الحياة، والفنان، بعادته، يقوم باقتناص اللحظة الهاربة، ويسجلها، ويرسل رسائله الحارة لأزمنة لاحقة فيها قيمة جمالية وبصرية ووظيفية هدفها: (الخير، الحق، الجمال)، وهذه القيمة تقودنا إلى السعادة التي ننشدها". ويضيف الجفيرات "أن التراكم المعرفي والعملي والمخزون والخبرات المكتسبة السابقة والممارسة المكثفة في البحث والتجريب، كلها جعلتني أمتلك مفاصل لغة النحت التشكيلية وتقنياتها، وأعطتني قدرة كبيرة على تنفيذ أعمالي كما أريد وأفرض على الخامة ما أراه مهما كانت صعبة، ومن يمتلك كل هذا الذي تحدثت عنه يستطع تحويل الجمادات إلى مواضيع جميلة، الجمال موجود فينا ومن حولنا، علينا أن ندركه، أو نتلمسه ونحسه". وأكد الجفيرات، في حديثه لـ"الغد"، أن فن النحت من أصعب الفنون التشكيلية على الإطلاق، واصفاً إياه بـ"الخشونة"؛ إضافة إلى صعوبة تأمين المكان، ومستلزماته باهظة الثمن، مشيراً إلى أن هناك افتقارا للثقافة المنحوتة وعدم دعم المؤسسات الحكومية لهذا النوع من الفن بما يتناسب وأهميته ودوره في المجتمع وعدم المحافظة على الأعمال النحتية التي نصبت في الميادين العامة من التخريب، وصعوبة في تسويق العمل النحتي، وهي من الصعوبات التي تواجه النحات. ولا ينكر الجفيرات مواكبته العصر باستخدام تقنيات وخامات ومستلزمات جديدة مكنته من تنفيذ أعماله الفنية ذات الحجم الكبير، والتي نصبت في ميادين وساحات وحدائق عامة، وشغلت حيزاً مهماً في تلك الساحات، وقدمت حركة بصرية مؤثرة على المشاهد بشكل إيجابي، مشيراً إلى بعض الأعمال النحتية التي حملت ألواناً، وأضيفت إليها الموسيقا لتبعث في النفس الراحة والسعادة. ويقول الجفيرات إنه لا يمكن تغيير نمط فنه بما أنه يعكس ما بداخله، كما أن امتداد الجذور في عمق الإرث التاريخي، هو مصدر إلهامه الممزوج بالحياة والطبيعة. وعن المراحل التي يمر بها الإنجاز الفني، يقول الجفيرات: "تبدأ عملية إنتاج العمل الفني عندي من الفكرة حيث تتبلور، وتتشكل في مخيلتي، ثم أقوم برسمها بشكل دراسات على الورق، بعدها أقوم بتنفيذ تلك الفكرة على خامة مناسبة، وقد أعيد تنفيذ الفكرة أكثر من مرة، وعلى أكثر من خامة حتى تستقر على الشكل النهائي، وقد أُحمل الفكرة إضافة ما أو اختزالا في الفكرة أثناء التنفيذ أو بعده، لأن العمل المنفذ قد لا يرتقي لما خططته أصلاً في ذهني، فالفنان هو الناقد الأول لعمله الفني، وفي نهاية تنفيذ العمل النحتي أقوم بإخراج الشكل النهائي". وأكد أنه يمتلك أعمالا دفينة كثيرة، لكنه لا يستطيع تنفيذها بسبب قلة الدعم والرعاية لهذا الفن الذي يثبت قدرة المواطن الأردني على إنجاز أعمال تحاكي قصة الوطن، داعيا الجهات المسؤولة عن المسألة الإبداعية لأن ترعى الطاقات الموهوبة والمبدعة في مدينة مادبا. ويذكر أن الجفيرات، شارك في العديد من المعارض داخل الأردن وخارجه، ونحت 200 عمل من أبرزها: "تعاقب الحضارات، الجوهرة الفسيفسائية، أجنحة السلام، الفارس والغزلان، الساقية، مسيرة سيدنا موسى، ودور القوات المسلحة في حفظ السلام"، كما عمل أكثر من ثلاثة عقود في قسم هندسة الديكور في التلفزيون الأردني، ثم مدرساً للتربية الفنية إلى أن تقاعد، ليصبح متفرغاً لفنه.اضافة اعلان