التصنيف الائتماني للأردن: عدم اهتمام ممتد

مفلح عقل*

عمان - بتاريخ 13/3/2010 خفضت ستاندرد اند بورز (S&P) التصنيف الائتماني للاردن للعملة المحلية من BBB الى –BBB وابقت تصنيف العملة الاجنبية كما هو BB مع نظرة مستقرة بسبب تراجع المساعدات وتضخم العجز وزيادة عبء الدين، وبتاريخ 28/2/2011 اكدت S&P تصنيفها للاردن للعملة الاجنبية على المديين الطويل (BB) والقصير (B) لكنها خفضت التزاماتها بالعملة المحلية على المديين الطويل من –BBB الى +BB والقصير من A-3 الى B مع نظرة مستقبلية سالبة بدلا من موجبة وذلك نتيجة لعدم الاستقرار في المنطقة. واخيرا بتاريخ 24/11/2011 خفضت S&P التصنيف الائتماني للاردن كما يبين الجدول رقم 1.اضافة اعلان
ويقع التصنيف B في المرتبة 15 بين مرتبات تصنيف S&P البالغة 22 مرتبة ومقسم بشكل عريض بين الفئة الاستثمارية التي تشمل الرتب التسع الاولى وفئة غير استثمارية والتي تشمل الرتب الست التي تليها، أما المجموعة الاخيرة فتمثل المخاطر العالية والتي يحجم غالبية المستثمرين عن الاقدام على حيازتها.
وقد بررت هذه التخفيضات بعجز الموازنة وزيادة الانفاق الحكومي على حساب الانفاق الاستثماري وارتفاع اسعار السلع بشكل خاص النفط وعدم الاستقرار في دول المحيط التي زادت من الاثر السلبي على النمو الاقتصادي وفاقمت العجز، كل ذلك الى جانب استمرار المطالبات بالاصلاح السياسي والاقتصادي مما يضع الحكومة الاردنية امام تحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية.
باستثناء المقال الذي نشره الاخ زيان زوانه والذي تناول فيه الموضوع من وجهة نظر السياسة، فإن هذه التخفيضات المتتالية على تصنيف الأردن الائتماني لم تلق الاهتمام الكافي ولم يتم تناول آثارها المباشرة وغير المباشرة ولا كيفية التعامل معها للحيلولة دون تكرار حدوثها او حتى انزلاقها الى الاسوأ.
ماذا يعني هذا التصنيف وما الآثار التي قد يتركها على الاردن وما يجب القيام به لوقف التراجع في التصنيف الذي ان حدث مرة اخرى لا سمح الله، فإنه سيؤدي الى ضرر ابلغ بمناخ الاستثمار الاردني وكلفة اعلى على التمويل الحكومي وصعوبة الدخول الى اسواق رأس المال الدولية.
ما تقوم به وكالات التصنيف هو تقليص فجوة المعلومات بين المقرضين والمستثمرين من جانب، وبين المقترضين من جانب اخر، وتعد معلومات الجدارة الائتمانية للدول بعد تحليل للوضع المالي العام والخاص والبيانات الاحصائية والمعلومات المتاحة عن الاقتصاد والوضع السياسي وبقية العوامل التي يمكن ان يكون لها تأثير على قدرة القطر على الوفاء بالتزاماته. وقد اضافت العولمة وتعليمات بازل 2 التي ربطت كفاية رأس المال المطلوبة ومستوى التصنيف الائتماني للمقترض مزيدا من الاعباء ومزيدا من الكلفة على المقترضين.
لتخفيض التصنيف الائتماني اثر سلبي على امكانية حصول الجهة المخفض تصنيفها على القروض. وفي حالة حصولها عليها ستكون تكلفتها مرتفعة جدا، فاليونان المصنفة (CC) وصل العائد (Yield) على سنداتها الى 26 %، بينما تقترض المانيا بكلفة 2.26 %، هذا ولم يقتصر اثر التصنيف المنخفض في حالة اليونان على زيادة اسعار الفائدة بل امتد ليشمل تراجع تدفقات رأس المال.
من مصادر قلق صانعي السياسات على نتائج تراجع التصنيف هو اثاره السلبية على الكلفة وعلى تدفق الاستثمارات الخارجية (FDI) والاداء الكلي للاقتصاد، بالاضافة الى امتناع البنوك الاجنبية عن تقديم التسهيلات لمثل هذه الدول لارتفاع متطلبات كفاية رأس المال اللازم لمواجهة موجودات البنوك على هذه الدول، كذلك فان من المتأثرين بتخفيض التصنيف هو القطاع المالي الذي يحدد سقف تصنيفه بتصنيف الدولة التي ينتمي اليها. مثلا الدولة المصنفة B تكون كفاية رأس المال المطلوبة لديون الحكومة 100 % اي 8 % من قيمة الدين، بينما هي نصف ذلك لـ BBB والربع لتصنيف A.
تفاديا لتخفيض التصنيف، على الدولة المعنية ان تتبنى سياسات تعالج المشكلات التي هي موضع اهتمام المستثمرين على المدى القصير حتى لو كانت في تناقض مع مشكلات المدى الطويل.
ورغم أن التصنيفات الائتمانية تميل الى الاستقرار وكونها تابعة للاحداث وليست سابقة لها، إلا انها تتميز بردود أفعال غير متناسبة مع الواقع عند تغيير التصنيف، الامر الذي ادى الى زيادة مشاكل الدول المخفض تصنيفها وانتاج عدم استقرار مالي فيها.
لما كان التصنيف الائتماني لدولة من الدول ما هو الا رأي بمستوى مهني موثوق لوكالة من وكالات التصنيف Fitch و Moody’s و S&P في مستوى الخطر الائتماني الذي قد تواجهه هذه الدولة، فقد اكتسب قبولا واسعا في اسواق رأس المال لتعبيره عن قدرة ورغبة المصنف على مواجهة التزاماته المالية واحتمال الفشل بالقيام بها. تصل وكالات التصنيف الى رأيها بعد دراسة معمقة للجهة المعنية بالتصنيف تتناول المخاطر السياسية والظروف الاقتصادية والتعاون في الدخول وفعالية القطاع المالي في جميع المدخرات واتاحتها للائتمان وكفاءة القطاع العام والنمو الاقتصادي والمرونة المالية من حيث دخل الدولة ومصاريفها وحصيلة من هذين البندين ومرونة زيادة الايرادات وفعالية الانفاق وشفافية السياسات والعبء الحكومي العام ممثلا بنسبة الدين الى الناتج المحلي الاجمالي والالتزامات الخارجية والمرونة النقدية مثل النمو في عرض النقد والائتمان والتضخم ومدى كفاية الاحتياطيات وعبء الدين الخارجي، الا ان الدخل الفردي ونمو الناتج المحلي الاجمالي ونسبة احتياطيات العملات الاجنبية الى الواردات ونسبة رصيد الحساب الجاري الى الناتج المحلي الاجمالي ومستوى التطور الاقتصادي وحدها تعبر عن 90 % من قيمة التصنيف.
وتسعى الدول الى التصنيف الائتماني لاجل تعزيز قدرتها على الوصول الى اسواق رأس المال الدولية وتخفيض كلفة الاقتراض وسعر الفائدة وتشجيع الاقبال على اوراقها، بالاضافة الى تعزيز تدفق الاستثمارات الاجنبية وشفافية اكثر لقطاع المال العام، لاجل ذلك تحرص الدول على الحصول على تصنيف مرتفع وتقدم لوكالات المعلومات التي تحتاج اليها للوصول الى تقييم عادل للمقرضين تقليلا لحالة عدم التأكد عن وضعه، وتشير الاسواق دائما الى فارق في تكلفة الاقتراض بين مستويات التصنيف الائتماني المختلفة كما يبين الجدول رقم 2.
تعكس معدلات التصنيف المتدنية للدول المذكورة مجموعة من الخصائص منها عجز كبير في الموازنة وارتفاع التضخم وانخفاض معدل الدخل الفردي.
في حالة الأردن الذي يقترض الان من السوق المحلي بـ 3.046 % لستة اشهر وبنسبة 3.982 % لسنة وبنسبة 5.783 % لسنتين و 6.477 % لثلاث سنوات و 6.921 % على خمس سنوات، ورغم ارتفاع شديد في هذه الاسعار بالمقارنة مع معدلات اسعار الفائدة ومعدل سعر فائدة النافذة (2.5 %) فالسؤال هو ماذا سيطرأ على هذه الاسعار مع التصنيف الجديد.
ماذا يعني تصنيف B ؟
يمكن فهم معنى هذا التصنيف ضمن الاطار العام الذي وضعته S&P لتصنيفها، بالاضافة الى خبرة الاسواق للتحولات التي تطرأ على هذه التصنيفات على مدى (5) سنوات.
فيما يتعلق بالاطار العام يعكس الجدول رقم 3 موقع التصنيف (B) ضمن ترتيب S&P ومقارنا مع Moody’s و Fitch
لقد رصدت إحصاءات S&P المتعلقة بالتغيرات المتوقعة على مرور الزمن على مختلف فئات التصنيفات وخبرة الاسواق في التحول من تصنيف لآخر ضمن مدى زمني معين. فاحصائيات S&P للفترة 1988 – 2002  بينت ان 57.1 % من الشركات المصنفة (B) حافظت على تصنيفها، فيما انتقل 42.9 % منها الى حالة الاعسار، مما يعني ان على الدول في هذا الموقع ان تعمل بشكل جدي لمعالجة العوامل المؤدية الى تحسين التصنيف او على الاقل وقف تراجعه.
اما عن نسب اعسار الدول المصنفة (B) خلال الفترة من 1985 – 2002 فهي 7.9 % في السنة الاولى و 18.3 % في السنة الثالثة و 22.2 % بعد (5) سنوات.
اما فيما يتعلق بالتحول للدولة المصنفة (B) خلال سنة واحدة فهي 76.27 % ستبقى كما هي و 5.09 % ستنخفض الى CCC
و 4.47 % الى D.
اشرنا إلى أن التصنيفات المصرفية تعبر عن مجموعة من الخصائص تسيطر على الوضع العام في الدولة المصنفة، منها عجز كبير في الموازنة وارتفاع التضخم وانخفاض معدل الدخل الفردي، لذا فان امكانية وقف مزيد من التدني ثم تحسين التصنيف يعتمد على قدرة ورغبة الدولة المعنية بالتعامل مع المسببات.
اذا استطاع الاردن النجاح في سياساته الاصلاحية بهدف خفض التضخم وتقليص عجز الموازنة واستئناف النمو التي يكثر الحديث عنها واستطاع استرداد ثقة الشارع وثقة المستثمرين الاجانب واستمرت محادثات انضمام الاردن الى مجلس التعاون الخليجي بنجاح.

* عقل للاستشارات (مالية ومصرفية)