التضامن مع الشعب الفلسطيني..!

الذي يطالع محتوى الموقع الرسمي للأمم المتحدة عن اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، يعتقد بأنه يحلم. هناك حديث متعاطف جداً عن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وعودة أبنائه إلى أراضيهم وممتلكاتهم، وأن يكون لهم وطن سيد نفسه. هناك دعوة لكافة الدول إلى دعم نضال الفلسطينيين والإسهام بفعالية في الترويج الإعلامي لمناسبة التضامن معهم. هناك يتجسد انفصام شخصية الأمم المتحدة، حيث ينفصل شخصها الاعتباري عن مكوناته من الدول! الكل يعرف حال فلسطين في الأمم المتحدة وحقّها المغموط هناك، ومعه حق دول العالم في تحقيق رؤيتها. في مناسبات التصويت على قرارات دولية تخص فلسطين، غالباً ما يتجسد التضامن المبرَّر مع فلسطين من نسب التصويت لصالحها. ثم تقوم الولايات المتحدة وحدها بتسفيه الجميع وإجهاض كل شيء بجرة قلم.اضافة اعلان
الذي يعني للفلسطينيين أكثر من الأمم المتحدة هم الناشطون الأمميون من ذوي الضمائر الحية، الذين يبذلون وقتهم وأصواتهم وأقلامهم –بل وأرواحهم أحياناً- في سبيل ما يعتقدونه عدلاً وإنسانية. ولو تسنى للفلسطينيين أن يستعيدوا الوطن ذات يوم، فلن تعدم ميادينهم وشوارعهم مَنْ تفتخر بتخليدهم وحمل أسمائهم من المناضلين العرب والأجانب الذين ساندوهم في وقت المحنة. بمآثر هؤلاء يشعر الفلسطينيون بأنهم ليسوا وحيدين، وبأن في الحكاية أملا. بل إن المتابع يعجب في بعض الأحيان من حماس الأنصار وغيرتهم على القضية أكثر من بعض أهلها، حين يشيرون بأسى إلى الأخطاء في إدارة نضال الفلسطينيين وتقسيمهم وتقديم التنازلات باسمهم حيث لا يلزم.
في غمرة المتغيرات المعقدة والمحيرة للمسيرة الفلسطينية، يسوء كل متعاطف أو معني ما يبدو من عدم تضامن الفلسطينيين الواضح مع أنفسهم. يجدر بالفلسطينيين الانتباه إلى أن كلمة "الانقسام" حلت محل كلمتي "الثورة" و"المقاومة" في وصف خبرتهم الأخيرة، وبما يعمق مأساتهم ويطيل أمدها وحسب. لا معنى أبداً لأن يمتلئ قاموس شعب مستهدف كله بالثنائيات المتعارضة: إسلامي وعلماني؛ يميني ويساري؛ مسلم ومسيحي؛ متخاذل ومقاوم. ليس هناك أعجب من كثرة الفصائل الفلسطينية التي كثيراً ما عبّرت عما تراه تناقضات أساسية بينها بالاشتباكات المسلحة وإراقة الدم وأسر فلسطينيين فلسطينيين. لا معنى لهذا الاختلاف على تعريف فلسطين نفسها، حتى أن بعض الاجتهادات تستثني نصف الفلسطينيين وتحرجهم وتتركهم بلا قضية.
وضْع الفلسطينيين الاستثنائي في العالم ينبغي أن يبيح لهم شكلاً فريداً من التضامن مع الذات –كما يفعل أي شعب مهدد بهويته ووجوده نفسه. عليهم دائماً تأكيد المشترك وتحييد الخلافي، وأن يقول الجميع قصة واحدة. يجب أن يقوم الفلسطينيون الناجحون بمساعدة مواطنيهم وتيسير سبلهم وتحسين فرصهم في الدراسة والعمل، كواجب وطني. يجب إشراك كل فلسطيني، في أي مكان وموقع، في الجهد الجمعي الهادف إلى إبقاء فلسطين على خريطة العالم. يجب تدارك خطأ تحييد كامل فلسطينيي الشتات تقريباً وتجاهل طاقاتهم واستثنائهم من الحوار السياسي الداخلي وعدم إشراكهم في التحدث مع الآخر باسم فلسطين.
أيضاً، يجب تفكيك التنميط العجيب الذي رُوّج في العالم العربي المضيف، الذي يعتبر فلسطينية الفلسطيني خطراً على مكان تواجده، وأن تعبيره عن وطنيته المخصوصة نشاط تخريبي. يجب الكف عن الادعاء غير المحق بأن الفلسطينيين يشكلون عالة وعبئاً على المجتمعات المضيفة ويستنزفون مواردها. كان الأجدر، وفق أي اعتبار، تقدير وطنية الفلسطينيين أولاً، ثم الإقرار بمساهماتهم في خلق الموارد وإنتاجيتهم الواضحة في كل مكان ومجال.
من المؤسف أن مصالح عربية غير بريئة تجد فائدة في إشاعة انطباع بأن وجود الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي أفضل من وجود دولة للفلسطينيين -قد يقلقون منها على استقرار المنطقة؟! من واجب الواعين والمخلصين من العرب تجسيد تضامنهم مع فلسطين من خلال تبديد هذا التصور الظالم، وتفسير "الازدواجية" الطبيعية غير الفصامية التي تضم أشواق الفلسطيني الخاصة إلى ولائه العربي الأساسي، وبحيث لا يُجبر على كبت حنينه الوطني والتردد في دفع قضيته، كشروط مسبقة للقبول به بالحد الأدنى.
لم يختر الفلسطينيون الاستغناء عن حقهم في تقرير المصير. لكنهم يستطيعون اختيار التضامن مع أنفسهم بنبذ دعاة الفرقة وأصحاب المعارك الجانبية الذين يخذلون شعبهم ويجرحونه أكثر من محتليه.

[email protected]