التضامن مع القدس بين فريضتين

 

لاننا نخشى من تكرار تجارب سابقة فاننا نحب ان نذكر انفسنا دائما بان بوصلة التعامل مع أي ملف وطني او قومي يجب ان تبقى باتجاه القضية الاساسية لا ان نفتح مسارا داخليا يستنزفنا ويحول اتجاه فعلنا نحو الداخل بدلا من ان يكون في الاتجاه السليم؛ ففي مراحل سابقة يوم ان كانت الحالة الفلسطينية ساخنة نتيجة عدوان صهيوني فإننا كنا احيانا كثيرة نقدم اداء رفيعا في الانسجام ورفع أصواتنا تجاه المحتل، ونقول للعالم ان هذه الارض بكل مفردات الدولة تتحدث بلغة واحدة في رفض الممارسات الصهيونية. لكننا احيانا كنا نجد ممارسات تجعلنا ننشغل بانفسنا، ويتحول الاشتباك من مواجهة المحتل الى ان يكون الامر عبئا امنيا وسياسيا داخليا.

اضافة اعلان

وخلال الفترة الحالية نعيش تطرفا صهيونيا تجاه القدس ومقدساتها، ونشهد استهدافا صهيونيا لهذه القيمة الكبرى عربيا واسلاميا. وهي ايضا قيمة وطنية عليا لنا نحن الاردنيين. ومن الطبيعي ان ترتفع اصواتنا جميعا ضد السياسة الصهيونية. ومن الواجب ان يكون تعبيرنا واضحا؛ لكن القدس ليست قضية نختلف عليها وليست ملفا للمعارضة او للحكومة بل هي ملف وطني وعربي. ولهذا كانت بعض الفعاليات الشعبية ضد السياسة الصهيونية وكان الموقف الرسمي متوجا بتصريحات الملك والرسالة القوية التي أرسلها الملك لاسرائيل بأن الإساءة للمقدسات في القدس ستؤثر على العلاقات الاردنية الاسرائيلية لكنها ايضا ستفجر نقاط اشتعال في العالم العربي والاسلامي، وان السياسة الاسرائيلية تذهب بالمنطقة نحو الظلام. وكان العديد من التحركات التي ليست غريبة على الاردن بكل تفاصيله، فالقدس قضية كل الاردن قيادة وشعبا. وحين يرتفع صوت الدولة رافضا السياسة الصهيونية او تخرج مسيرة كما كان امس وقبله او أي فعالية اخرى فان هذا اقل واجب نحو القدس.

لكننا لا نريد ان يتحول التضامن الى عبء سياسي وامني داخلي. نريد ان يصل صوتنا جميعا لكننا نريد ايضا ان لا نمارس أي توتر. ولهذا فان اختيار أشكال التعبير ضرورة بأن تكون في اماكن لا تسمح لاي شخص ان يحولها الى مكان لسلوك غير سوي مثل اغلاق شوارع او قذف سيارات المارة. ونريدها فعاليات في النهار فلا ضرورة لمسيرات في اماكن مكتظة ويصعب ضبطها لا من المنظمين ولا من الدولة، ولا ضرورة لمسيرات في الليل والظلام  او أي ممارسة تجعلنا ننسى القدس وتصبح الاولوية معالجة فعل غير مناسب من شخص غير مسؤول.

تعبيرنا جميعا ضرورة لكن ليكن تفاهمنا عاليا وندرك ان التعبير يجب ان لا يمارس في ظروف تفتح الباب لاي خطأ مقصود او غير مقصود. واللغة يجب ان تبقى باتجاه المحتل فقط فهو المجرم وكلنا ندينه رسميا وشعبيا، لا ان نمارس أي توجه او فعل يزيد توترنا الداخلي ويجعل الاردن يدفع ثمن حالة توتر صنعها الاحتلال.

لا نتحدث عن خيال فنحن مارسنا الكثير من الحالات الايجابية ومنها ما كان اثناء العدوان على غزة؛ لكن المهم ان تبقى بوصلة فعلنا تجاه المحتل وان لا ندفع في الاردن ثمنا داخليا مهما كان لان الاردن كله يقف في مواجهة التطرف والسياسة الصهيونية.

التضامن مع القدس فريضة وطنية واسلامية، والحفاظ على أمننا الداخلي فريضة ايضا ولا تعارض بين الفريضتين اذا تعاملنا بعيدا عن أي دوافع سلبية واذا فكرنا بمنطق نصرة الاقصى فقط وبالحرص على امن هذا الوطن، فلا يصنع أي كان حالة تبعدنا عن الفريضتين.

[email protected]