التضليل في خلو الأمراض!

تمخض الجبل فولد فأرا! هو حال الحكومة مع مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد، الذي حسمت أول من أمس رأيها فيه ودفعت به لنا عبر موقعها الالكتروني لاستمزاج الآراء حوله، كما قالت، رغم أن ذات الحكومة التي قارب عمرها المائة يوم، عقدت عشرات اللقاءات والحوارات و"الاستمزاجات" لآراء كل الفاعليات حول التعديل المطلوب، لتخرج بالمحصلة، بنسخة شبه مطابقة للمشروع المسحوب الذي كان سحب الناس إلى الشوارع. اضافة اعلان
على هامش حسم الحكومة لمشروع "ضريبة الدخل" الذي سيضرب –رغم نفي هذه الحكومة- الطبقة المتوسطة أكثر، واصل رئيس الوزراء د. عمر الرزاز ووزراؤه الاكتفاء بتقديم وعد بترجمة قريبة لفكرة إعادة توزيع العبء الضريبي، وخفض ضريبة المبيعات عن سلع وخدمات، دون الخوض حتى الآن بتفاصيل هذه الإعادة والخفض، ولا ما سيشملان من سلع وبنود، ولا متى سيريان النور، وكم سيكون تأثيرهما حقا على خلق التوازن المطلوب لتعويض أثر ضريبة الدخل، التي يوسع قانونها الجديد قاعدة دافعيها وأعبائها على الأسر والمؤسسات!
في هذا السياق، لن يكون هناك أي أثر حاسم لخفض ضريبة المبيعات على الأوضاع المعيشية وعلى انتعاش الحركة التجارية، إلا إن طالت سلعا ارتكازية، يقود خفضها انخفاضات عنقودية لسلع وخدمات أخرى، بحيث تكون مجدية وفاعلة لتجاوز عنق الزجاجة وانكماش الاقتصاد وتراجع الحركة التجارية، وتنعكس أيضا مباشرة على حياة الناس.
ويبدو أن الحكومة رغم الكثير من الإيحاءات والتسريبات السابقة، استكثرت بمشروعها لضريبة الدخل أن تقدم إعفاء بأربعة آلاف دينار لفاتورة التعليم والصحة للمكلفين، ما كان يمكن معه مساعدة الأسر التي لديها طلاب أو تتحمل كلف علاج كبيرة على موازنة قدراتها المالية مع متطلبات الحياة وكلفها المرتفعة، وأيضا لإثبات حسن النية من قبل الحكومة، بأنها حريصة حقا على الطبقة الوسطى وعدم إثقال كاهلها أكثر.
الرئيس الرزاز، الذي كان منحني شخصيا جرعة تفاؤل عالية عند تكليفه بتشكيل الحكومة قبل ان تستنزف هذه الجرعة مرة واحدة بصدور مشروع قانون الضريبة، طمأننا بان صندوق النقد الدولي لم يضغط علينا للخروج بهذا المشروع، مع انه لو اقر بذلك فلن نعتب كثيرا عليه من باب الواقعية التي بات يتحلى بها الاردنيون، لكن ما لفت نظري تصريحه بان مشروع القانون هو بمثابة "شهادة خلو من الأمراض الاقتصادية" من صندوق النقد الدولي، اي ان السمن والعسل والقروض والمساعدات ستاتي بعد هذه الشهادة!
ما فات السيد الرزاز ان مشكلة هذه الشهادة انها تغطي الامراض الوبائية او المنقولة بلغة الطب، كالايدز والتهاب الكبد والملاريا والبلهارسيا، لكنها لا تغطي الامراض غير المنقولة او غير الوبائية، كالسرطان والضغط والسكري والقلب، اي ان الشخص قد يظهر بشهادة خلو الامراض وفحوصها المخبرية سليما وكالحصان، لكنه ربما كان في الواقع مريضا بالسرطان بمرحلة متقدمة او بالقلب وغيرها من امراض لا تظهر بالفحص المخبري.
مصطلح "الخلو من الامراض الاقتصادية" الذي نحته الرئيس الرزاز لا يخفي لدينا نحن الاردنيون امراض السرطان والقلب الاقتصادية والمعيشية والتي تفوق بخطورتها الامراض الوبائية الاقتصادية. في هذا السياق، اغلب الشرائح المجتمعية والمواطنين وبعد ان تحولوا الى صرافات الية لرفد الخزينة العامة عبر الضرائب والرسوم لم يعد بمقدورهم الصرف اكثر، بل تم استنزاف حتى المدخرات والاموال غير المنقولة لمن توفرت لديهم، ليجاروا ارتفاع تكاليف المعيشة خلال السنوات القليلة الماضية.
عن اي خلو من الامراض الاقتصادية يتحدث الرئيس الرزاز، ان كان مشروع القانون يزيد ضريبة جديدة على شرائح واسعة، فيما لم نر شيئا بعد من وعود التشغيل وتحسين الخدمات وخفض كلف النقل والصحة والتعليم وخفض العبء الضريبي الكلي عن الاغلبية المطحونة؟!