التطبيع مع إسرائيل.. هل ينهي أزمات السودان؟

السودان واسرائيل
السودان واسرائيل
الخرطوم- تهيمن على المشهد السياسي في السودان تداعيات إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اعتزامه رفع اسم الخرطوم من قائمة ما تعتبرها واشنطن "دولا راعية للإرهاب". ترامب غرد، مساء الإثنين، قائلا إنه سيتم رفع اسم السودان من هذه القائمة، بعد أن تدفع الخرطوم 335 مليون دولار لــ"ضحايا الإرهاب الأمريكيين وعائلاتهم". وفي اليوم نفسه، قالت وزيرة المالية السودانية، هبة محمد، إن الخرطوم حولت إلى واشنطن التعويضات المالية المستحقة لضحايا تفجيرات المدمرة "يو أس كول" (2000) والسفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا (1998). وتتهم واشنطن نظام الرئيس السوداني المعزول، عمر البشير (1989: 2019)، بالمسؤولية عن تلك التفجيرات. وطرحت تغريدة ترامب تساؤلات كثيرة بين السودانيين حول المقابل الذي سيقدمه السودان إلى الولايات المتحدة للخروج من القائمة المدرج عليها منذ 1993، لاستضافته زعيم تنظيم القاعدة آنذاك، أسامة بن لادن. ويعتبر تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بحسب محللين، هو الشرط الأمريكي الأول أمام السودان مقابل مغادرته القائمة، خاصة في ظل تحركات أمريكية في المنطقة دفعت الإمارات والبحرين إلى توقيع اتفاقيتين، منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي، لتطبيع علاقاتهما مع إسرائيل. من حينها، تتجه الأنظار نحو السودان، باعتباره الأقرب للتطبيع مع إسرائيل، بحكم حاجة الخرطوم الملحة للخروج من قائمة "الإرهاب" الأمريكية، واللقاء بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بأوغندا في فبراير/ شباط الماضي. وتوقّع وزير التعاون الاقليمي الإسرائيلي، أوفير أكونيس، الأربعاء، أن تعلن دول عربية إضافية تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، قبل الانتخابات الرئاسة الأمريكية، في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بحسب مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي. قال السفير السوداني السابق، إدريس سليمان، للأناضول، إن "التطبيع غير نافع، والسودان لا يحتاجه، فهو يزيد من أزمات السودان.. وبعض الأطراف في الحكومة تحاول من خلاله تثبيت موقعها في السلطة". وأضاف: "محاولة الاستقواء بالأجنبي، إسرائيل وأمريكا، هي ذلة وخضوع من الحكومة ولن يرضى الشعب عن ذلك.. الحكومة ضعيفة ويستغلها نتنياهو وترامب لمصالحهما الانتخابية". ورأى أن "التطبيع هو أحد الشروط الأمريكية لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، فواشنطن وجدت الحكومة ضعيفة وقابلة للابتزاز، لذلك فرضت عليها التطبيع". وأردف أن "التطبيع شرط من شروط اجتماعات أبوظبي، وهي تشمل أيضا موانئ البحر الأحمر وتعديل قوانين". وقال البرهان، في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، إن مباحثات أجراها مع مسؤولين أمريكيين، في الإمارات حينها، تناولت قضايا بينها "السلام العربي مع إسرائيل". وذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية وأمريكية آنذاك أن الخرطوم وافقت على تطبيع علاقاتها مع تل أبيب، في حال تم شطب اسم السودان من قائمة "الإرهاب"، وحصوله على مساعدات أمريكية بمليارات الدولارات وأضاف سليمان أن "الرأي العام السوداني رافض للتطبيع وكذلك الحاضنة السياسية.. قوى (إعلان) الحرية والتغيير فيها أجسام ترفض التطبيع.. مجلسا الوزراء والسيادة يتنافسان ويناوران بهذا الملف الذي يناقض أخلاق وقيم السودانيين". رأى رئيس تحرير صحيفة "الجماهير" (خاصة)، عباس محمد إبراهيم، أن "النظر إلى التطبيع على أنه سيحل أزمات السودان هو نظر قاصر، فالأزمات الحالية يمكن تجاوزها بأكثر من طريق لتوفير القمح والوقود وغيره.. وليست الأزمات التي توضع مقابل مثل هذه القضايا". ويعاني السودان أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي؛ بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في السوق غير الرسمية إلى أرقام قياسية. وأضاف إبراهيم للأناضول: "علينا النظر إلى خارطة تحالفات المنطقة لإيجاد سياق لمناقشة قضية التطبيع مع إسرائيل، فالتطبيع محل نقاش داخل المكونات الفلسطينية نفسها". وتابع: "الولايات المتحدة تعمل على إعادة تشكيل تحالفاتها في المنطقة، بما يُعرف بالمسار الجديد، وهو تحالف موجه لمحاصرة إيران ووقف النفوذ الصيني والروسي في أفريقيا". واستطرد: "وموقع السودان الجيوسياسي يؤهله ليكون لاعبا مهما في هذا التحالف، الذي يهدف حاليا إلى إعادة ترتيب محاور المنطقة، ما يعني أن السودان، وفي حال أدار الأمر بشكل جيد، سيجني مكاسب، أهمها استقرار الانتقال الحالي". وفي أعقاب الإطاحة بالبشير، بدأت في السودان، يوم 21 أغسطس/ آب 2019، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات أواخر 2022، ويتقاسم السلطة حاليا الجيش وائتلاف الحرية والتغيير، قائد الاحتجاجات الشعبية. وقال إبراهيم: "في الحوار الأخير بين واشنطن والخرطوم، ورغم أن المحاور الأمريكي وضع ورقة التطبيع على الطاولة، إلا أن الخلاصات تقول بوضوح إن الخرطوم اليوم تختلف عن خرطوم الأمس القابلة للابتزاز". وتابع: "بالرجوع إلى أجندة حكومة عبد الله حمدوك نجد أن إزالة اسم البلاد من قائمة الدول المساندة للإرهاب موضوع في أعلى الأجندة، وهو ما تحقق اليوم. رغم الضغوطات الخارجية بربط الملف مع التطبيع، فإن الدبلوماسية السودانية حققت ما تريد ولم تخضع لابتزاز ربط الملفين". وأردف: "التطبيع من حيث المبدأ غير مرفوض، لكنه ليس قرارا، والخرطوم تنظر إلى القضية على أنها عملية يمكن التباحث حولها، وهو ما يجري خلف الكواليس (...) أما الحديث عن رفض شعبي، فهذا تعميم غير دقيق، يمكن أن نصف ما يجري بأنه تباين في الرأي العام". واستطرد: "الطرفان يتحدثون عن الفوائد (من التطبيع)، فخرطوم ٢٠٢٠ تختلف كثيرا عن ١٩٦٧ (خرطوم اللاءات الثلاثة: لا صلح، لا اعترف، لا تفاوض مع إسرائيل)". وزاد بأن "السواد الأعظم من السودانيين اليوم شباب عاشوا خذلان الأنظمة العربية لهم خلال سنوات كفاحهم للخروج من الديكتاتورية، وأصبحت لغتهم للعلاقات الخارجية تقوم على مبدأ المصالح". اعتبر أستاذ العلوم بالجامعات السودانية، دكتور حاج حمد حمد، أن "الحكومة السودانية متفهمة لترتيب الأولويات، لذلك وضعت إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب أولاً، وبشكل منفصل عن الطرح الأمريكي لقضية التطبيع". وتابع حمد للأناضول أن "اللوبي الصهيوني في أمريكا حاول أن يُقحم موضوع إسرائيل في التفاوض بشأن رفع السودان من القائمة، لكنه لم ينجح". ورأى أن "التطبيع مع إسرائيل ليس بالأمر السهل، إذ يجب أولا أن نجاوب على سؤال: ما هي مصلحة السودان في التطبيع وما هي مصلحة إسرائيل؟". وأردف مجيبا بأن "إسرائيل تبحث عن أمنها القومي في البحر الأحمر من أجل مصالحها، ولكن لا فائدة السودان". واستطرد: "لا مصلحة للسودان في التطبيع مع إسرائيل إلا من خلال سيطرتها على بيوت وصناديق مالية يمكن أن تساهم في تخفيف في ديوان السودان (60 مليار دولار)". واختتم حمد حديثه بالتشديد على أنه "لا مصلحة للسودان في التطبيع مع إسرائيل، وهي دولة مجرمة في نظر العالم جميعا".-(الأناضول)اضافة اعلان