التظاهر بالسعادة: تشبث بالأمل وهروب من الشماتة

يتظاهر بعضهم بالسعادة رغم ما يعانونه من آلام وتعاسة - (أرشيفية)
يتظاهر بعضهم بالسعادة رغم ما يعانونه من آلام وتعاسة - (أرشيفية)

منى أبو صبح

عمان- الهموم تثقل كاهل كثيرين، والآلام ترافق البعض، والمشكلات يصعب على عديدين حلها لتغرقهم في بحر من الإحباط، غير أن الغالبية تتصنع الابتسامة وتتظاهر بالسعادة، حبا في الحياة وتشبثا ببصيص أمل، وهروبا من شماتة المحيطين. اضافة اعلان
تعترف الأربعينية أم خالد أنها من أكثر النساء المتظاهرات بالسعادة الزوجية، "تفاديا لشماتة الشامتين من بنات جنسها"، حيث تتحاشى أيضا وضع حياتها تحت المجهر فذلك "يصون كرامتها"، وفق تعبيرها.
تقول أم خالد "ليس بالضرورة معرفة المحيطين بواقع حياة الزوجة المعيش، لذا فلا مانع من ارتداء قناع مزيف لحياة زوجية سعيدة تتمنى تحقيقها ولو حتى بالكلام او التظاهر بذلك أمام الآخرين او عبر صفحات التواصل الاجتماعي".
وتضيف: لكل زوجة أسبابها ودوافعها في التظاهر بالسعادة، لأنها الحلقة الأضعف في ميدان الحياة الزوجية مما يجعلها في حالة دفاع مستمر عن زوجها وأحيانا كرامتها، فتكذب وتتظاهر كي لا تمس خصوصياتها أو تخدش حياتها ممن لا يشعرون بمأساتها. 
جابر عبدالله سائق تكسي وهو أب لثلاثة أطفال، يعيش مع زوجة لا تقبل حياة عادية إنما، كما يقول، هي ترغب في عيشة من "الطراز الرفيع"، حيث يقول "إن الحياة قاسية وكل شيء فيها مرتفع، وهناك غلاء مستمر، لذا أشعر دائما بضغوطات نفسية كبيرة مستمرة وتوتر كوني لا أستطيع تأمين المستوى الذي يريدونه".
ويتابع "أتظاهر أمام الناس وكأنني سعيد وأعيش برفاهية، وأنني بأحسن حالاتي"، منوها إلى أنه يعتبر أن غير ذلك "ضعف، ويتطلب الشفقة من الآخرين، ما يولد الشعور بالمذلة، وأعمل على أن نظهر أمام الآخرين أننا زوجان مثاليان مع أن واقع الحال يحكي غير ذلك".
وللظروف المادية القاسية معاناة من نوع آخر عند سمية وهي طالبة جامعية تعيش في اتعس حالاتها، ولا تكاد تجد وظيفة تعيل نفسها بها ولا يوجد سوى راتب والدتها بعد وفاة ابيها حتى توجد اشياء كثيرة لا تستطيع شراءها رغم الحاجة الماسة لها، غير أنها تحرص على التظاهر بالبسمة، رغم أنها محطمة من الداخل.
تصرف سمية نابع من عدم رغبتها بأن يشعر أحد بحزنها وألمها لأن في ذلك قوة داخلية وهذه القوة تدفعها للعيش بتفاؤل وبصيص امل بأن القادم "اجمل رغم الظلم والقهر"، وصف قولها.
الاختصاصي النفسي د. خليل أبو زناد يصف الأشخاص الذين يبالغون في إظهار سعادة مصطنعة بأنهم "اندفاعيون يفتقرون إلى الحكمة والصدق، وهم على درجة عالية من الإيحائية التي تهيئهم لتأليف العديد من القصص المزيفة حول واقع حياتهم".
ويؤكد أن لجوءهم إلى تصوير سعادة كاذبة إحدى الوسائل الدفاعية التي يستخدموها كي لا يواجهون المواقف الصعبة بواقعية وللتغلب على مشاعر القلق والإحباط، فحين يتعرض الإنسان لموقف يتعدى حدود قدرته على تحمله نراه يتهرب من مواجهته بإحدى الوسائل الدفاعية.
ويقول، "لذلك فإن التصرف على هذا النحو ليس إلا محاولة للهروب من مشاعر الفشل التي يتم تجاهلها وتناسيها، وهي وسيلة لا تعتبر حالة مرضية كما يتصور البعض بل على العكس إن الشخص لو لم يفعل ذلك ليصاب بحالة مرضية كالإكتئاب على سبيل المثال".
الثلاثينية روان صالح وهي مطلقة تقول "إن الحياة قست عليها، لكنها تظهر السعادة رغم الحزن العميق في داخلها"، مضيفة أن المحيط الذي تعيش فيه يحسدونها عليه ولاسيما عندما يرونها هكذا، لكن ما لا يعلمونه مايضمره القلب من مآس متابعة البشر دوما يرغبون باظهار الحزن الذي يجلب الشفقة واشباع فضولهم، ولكن من رضي عاش".
"الناس يحبونك ضعيفا لا قويا‏" هذا ما عبر عنه نائل عبد الوهاب برأيه، ويوضح أن الناس يحبون الضعيف المهزوم العابس الوجه المتذمر دوما، وإذا تظاهرت بالسعادة يقولون "ليس عنده لا غم ولا هم" يعيش مرتاح البال مضيفا الكل لديه همومه التي تكفيه، لكن ليس محبذا أن تظهر لأحد أو أن يعرف بها الآخر.
ويرى زياد سلام (42 عاما) أن فن التظاهر بالسعادة الزوجية "فن يتقنه النساء والرجال معا"، متابعا "النساء يملن لتجميل الواقع الحياتي الذي يعشنه، أما الرجال فأحيانا وضعهم الاجتماعي يتطلب ذلك، ولذلك يجب أن يصطنع السعادة أمام الآخرين".
من جهته يبين استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان أن السعادة "مطلب كل إنسان"، وأفضل السعادة أن يكون الإنسان سعيدا في الدنيا والآخرة وهي "شعور بالبهجة والاستمتاع وراحة الضمير"، منوها الى أن هناك "سعادة قصيرة الأمد تستمر ربما للحظات أو أيام وأخرى طويلة الأمد وأبدية.
وإذا أراد الإنسان أن يشعر بالسعادة الحقيقية فعليه، وفق سرحان "أن يضع لنفسه أهدافا حقيقية ذات معنى"، وأن يسعى لتحقيق هذه الأهداف على مراحل ما يشعر الإنسان بأنه حقق شيئا يستحق منه الفرح والسعادة.
ويشير سرحان إلى أن هناك من الناس من لا يكتفي بأن يكون سعيدا بل يحرص على إسعاد غيره سواء أهل بيته أو أقاربه أو أصدقاءه أو غيرهم، ولأن السعادة قيمة عظيمة ومطلب فإن البعض ممن يفتقدون إليها سواء لأسباب ذاتية شخصية أو أسباب بيئية اجتماعية تتعلق بالآخرين فإنهم يتظاهرون بالسعادة، وهو تعبير له معنيان الأول يؤكد أهمية السعادة وضرورتها للإنسان وأثرها عليه وعلى محيطه والثاني عدم الرغبة في الظهور بمظهر الحزين البائس الذي يفتقد السعادة.
ويضيف "لا شك أن للسعادة الحقيقية أثرا كبيرا على الإنسان ولذلك المطلوب أن يحرص الإنسان الذي يصطنع السعادة أن يحول هذا التعبير غير الحقيقي إلى واقع"، فالسعادة في أصلها، بحسب سرحان "قرار يتخذه الإنسان من داخل ذاته ونفسه".
ويتابع أن "السعادة لا تشترط أن يكون الإنسان غنيا أو يكون ذا جاه أو موقع اجتماعي كبير أو صاحب شهادة عليا، فكم من الناس البسطاء الفقراء أكثر سعادة من كثير من الأغنياء مثلا".

[email protected]