"التعايش" و"مناعة القطيع".. فهم خاطئ..!

تضاعفت الإصابات المحلية بكورونا أول من أمس كما كان متوقعا تماما، لتلامس الحالات المحلية حاجز المائتين. وعزز هذا الارتفاع المخاوف المشروعة من “التفشي المجتمعي” وإجهاد الإمكانات الطبية وزيادة الوفيات. وأظهر تضارب التصريحات الرسمية وتغيير الإجراءات وسلوك المواطنين ارتباكا مقلقا أمام التطورات. ومن هذا الارتباك سوء التفسير لمفهومين شائعين مع تفشي الوباء: “مناعة القطيع”، و”التعايش مع كورونا”.اضافة اعلان
في بداية الوباء، تحدث مسؤولنا عن “مناعة القطيع” باعتبار أنها “ليست خيارا”، لأن حياة كل مواطن عزيزة، ولأن “كبار السن بركتنا”. وفُهم من تلك التصريحات أن مناعة القطيع تعني ترك المرض يتفشى على هواه من دون دفاعات، بحيث تتشكل لدى الناجين بعد الإصابة مناعة ضد المرض. وفي الطريق يموت الضعفاء وينشأ مجتمع غير قابل للإصابة لأن المعظم أصيبوا وأصبحوا منيعين.
يبدو أن تلك التصريحات فوتت شيئا عن “مناعة القطيع”، وهو أنه لا يمكن الحديث عنها في غياب لقاح ضد المرض. ويشرح الصلة بالمطعوم جيمس هامبلين، أستاذ الطب والمحاضر في كلية ييل للصحة العامة: “مناعة القطيع مفهوم مهم للصحة العامة، تم تطويره واستخدامه لتوجيه سياسة التطعيم. وهو يتضمن حساب النسبة المئوية للأشخاص في المجتمع الذين يجب أن يحصلوا على مناعة لمنع تفشي المرض. ولا يقدم المفهوم الكثير من المساعدة أثناء وجود جائحة مستمرة من دون وجود لقاح. ولو أنه كان استراتيجية عسكرية (مع عدم وجود لقاح)، فإنه سيعني السماح للعدو بتمزيقك حتى يتوقف لأنه لا يكون قد تبقى لديك أحد ليهاجمه”.
ويشير هامبلين إلى أن النجاة من إصابة بكورونا لا تضمن ألا تظهر تداعيات قاتلة على الصحة بعد فترة، مثل زيادة احتمال الإصابة بسرطان الغدد الليمفاوية مثلا. ويقول: “ليس لدينا أي فكرة عما ستكون عليه الآثار طويلة المدى للإصابة بالمرض، وبالتالي لا نريد العبث بالسماح بإصابة أي شخص ليس في حاجة إلى الإصابة”.
وبذلك، فإن التصريحات عن “مناعة القطيع” في ظل عدم وجود لقاح أولا ليس لها محل. وسيعني ترك الفيروس يتفشى في المجتمع كما يشاء تحقيق “مناعة القطيع” بالطريقة التي وصفها هامبلين، بكلفة الموت الهائل وخراب الاقتصاد وتدمير كل شيء بحيث “يتوقف العدو فقط عندما لا يعود لديك أحد ليهاجمه”.
لإنقاذ الاقتصاد على حساب الصحة، يتم التخلي عن الحظر والإغلاقات على أساس ضرورة “التعايش مع الوباء” بالاعتماد على “وعي المواطن” في تجنب النتيجة المذكورة. لكن كثيرين يفهمون التعايش على أنه العودة إلى “الطبيعي القديم” كما كان قبل الوباء، وليس التكيف مع “الطبيعي الحديد”. وهذا الفهم هو السبب في عودة انتشار المرض بسبب التخلي عن الحذر وكأنه ليس هناك مرض قاتل بيننا.
لكن “التعايش مع الوباء” شيء آخر، يلخصه مقال في صحيفة أميركية كما يلي:
“لا يعني التعايش مع الوباء الاختباء في المنزل. لكنه يعني الالتزام بالتعقيم الجيد والنظافة والتباعد الاجتماعي في مكان العمل والمنزل والأماكن العامة. ويعني اتخاذ الاحتياطات، بما في ذلك ارتداء الكمامات عندما لا يكون التباعد الجسدي ممكنا…
“والكمامات تفيد، لكنها ليست تعاويذ سحرية، وسيكون لفها حول عنقك أو ارتداؤها بطريقة غير صحيحة إيماءة غير مجدية. وهي ليست سوى جزء من المعادلة، حيث يظل التباعد الاجتماعي والاهتمام الشديد بالنظافة مثل غسل الأيدي عوامل رئيسة لتقليل انتشار المرض.
“التعايش مع المرض لا يعني التجمع في حشود كبيرة أو التسكع في المقاهي وغيرها. إنه يعني القبول بالحدود التي يفرضها الفيروس. وهو يعني أن الأكثر ضعفا –كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة- يجب أن يفكروا في عزل أنفسهم. وهو يعني اتخاذ الإجراءات التي تكفل عدم تعريض السكان الأكثر ضعفا للفيروس.
“التعايش يعني اختيار المطاعم والمحلات والأعمال التي تعمل بوضوح على تقليل انتشار العدوى بين العاملين والزبائن، وتُظهر أفضل الممارسات. وهو يعني دعم أصحاب الأعمال الذين يكونون صادقين وشفافين بشأن الإصابات بين عامليهم، والابتعاد عن أولئك الذين لا يفعلون”.
يتحدث موقع ياباني رسمي عن تعايش البلد مع الوباء، مستشهدا أولا بالتزام مواطنيه بشروط التعايش. أما “تعايش” الناس لدينا، فيعني “مناعة القطيع” بلا لقاح، وفتح جبهتنا للفيروس الوحشي بلا دفاع. ومن دون استدراك شجاع وفوري، فإن الهزيمة شبه حتمية.