"التعزيم": وهم وفشل أم مؤامرة؟

ما الذي يدفع رجلا أفنى زهرة شبابه في السلك التربوي، إلى البحث عن سراب الربح، فيغرق مع الغارقين فيما عرف بقضية "التعزيم" أو "البيع الآجل"، في وادي موسى؟ جل ما حصل عليه هذا التربوي الستيني كان 10 آلاف دينار، بعد مكافأته لإنهائه ثلاثين عاما في الخدمة. وسرعان ما حمل هذه النقود وباع واشترى في أيار (مايو) الماضي، وحرر له شيك مؤجل بقيمة تفوق قيمة المكافأة، يصرف في آب (أغسطس) المقبل. ثم حدث ما حدث، وتم الحجز التحفظي على المتعاملين بقضية البيع هذه، فتبددت آمال وأحلام الرجل، ومعه آخرون.اضافة اعلان
أيضاً، شاب يتخلى عن تعليمه من أجل أن يبيع سيارته ويحقق ربحا سريعا في أربعة أشهر. والأمر لم يقف عند ذلك. فرُب أسرة كان يعتاش من تأجير فرسه في نقل السياح، باع رخصة الفرس -وهي بآلاف الدنانير- كي يبحث عن الأرباح المزعومة ذاتها. بل وانخرط أطباء ومهندسون ومحامون وغيرهم في هذا السراب الذي تم على عين الحكومة، طيلة السنوات الثلاث الماضية. وليبرز السؤال: إذا كانت الحكومة تعلم بأن ثمة من يبيع ويشتري بالملايين ضمن تجارة البيع الآجل، فلماذا صمتت في سنوات مضت وتحركت هذا الشهر؟
نظرية المؤامرة تسهم في الفهم أحيانا. وهناك اعتقاد في أوساط عدد من الشباب في وادي موسى، بأن كبار المتعاملين في قضية "التعزيم" كانوا على علاقات وثيقة بشخصيات نافذة في عمان.
لكن بعيدا عن المؤامرة، فإن تدخل الحكومة الآن دفع أبناء وادي موسى للحيرة والاستغراب أكثر. فإن لم تكن القصة غسلا للأموال، أو فصلا ثانيا مشابها لقضية البورصات التي أهدرت جانبا من ثروات الأردنيين بالطريقة ذاتها والخداع ذاته، في إربد وجرش وباقي المناطق الشمالية والوسطى، قبل ثماني سنوات، فما هي إذن؟ ففي أواخر العقد الماضي، أصيبت المنطقة الشمالية بنكبة مالية واجتماعية، آثارها ماثلة حتى اليوم. وتبعتها في هذا العقد نكبة مالية واجتماعية أخرى في الجنوب، لا يعرف حجم امتداداتها وآثارها حتى الآن، علاوة على عدم الإحاطة بطريقة الحسم فيها، لاسيما بعد اجتماع مشترك مغلق بين النواب والحكومة، انتهى إلى تصريحات تذهب إلى عدم وجود أي خيوط إدانة في القضية، بينما رأت الحكومة أن الموضوع قضائي، وأنها لا تتدخل في القضاء!
المأمول أن لا يكبر ملف "التعزيم" أكثر، وأن لا يتحول إلى ملف ثقيل. وعلى الحكومة أن تضع في أولوياتها حقوق المواطنين الذين لا حول لهم ولا قوة، وتكبدوا خسائر بحجم يفوق مئة مليون دولار.