التعليم الإلكتروني.. هل "يعمق" فجوة القراءة والمطالعة لدى الصغار؟

ربى الرياحي

عمان- تبعات كورونا المرهقة طالت كل شيء، وأفقدت الصغار الكثير من العادات التي كانت تضفي على حياتهم قيمة ومعنى باعتبار أن كل شيء حولهم مقلق ومخيف.اضافة اعلان
ولأن الأطفال كغيرهم، فقد تأثروا بالأزمة وقيدت حركتهم، إضافة إلى أنها أبعدتهم عن مدارسهم وأبقتهم رهائن بين جدران البيوت ليس لديهم ما يفعلونه أو يشغل وقتهم الطويل والممل والمحصور فقط بالدراسة والألعاب الإلكترونية.
قبل جائحة كورونا، كان الوضع بالنسبة لهم مختلفا تماما، فقد كان بمقدورهم الذهاب لمكتبة المدرسة واستعارة ما يعجبهم من الكتب والقصص، لكنهم اليوم حرموا هذا الخيار، لذا فإن البعض منهم فقدوا شغفهم بالقراءة وإحساسهم بتلك المتعة، فلم يكن أمامهم سوى أن يهملوها ويكتفوا بالأجهزة الذكية، وبالرغم من ذلك، إلا أنه ما يزال هناك أطفال آخرون يقدسون هذه العادة ويحافظون عليها ويجدون فيها فرصة لملء أوقاتهم.
الطفلة مرح سامي (9 سنوات)، فقدت مؤخرا شغفها الكبير بالقراءة، هي وبسبب جائحة كورونا وطول المدة المقلقة التي تعصف بالجميع بدأت تميل لمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، لم تعد كما كانت في السابق مولعة بالقراءة تدخر من مصروفها الشخصي ما يمكنها من شراء المجموعات القصصية الجديدة باستمرار.
تقول والدتها إنها تشعر بالضيق كثيرا لكون ابنتها ابتعدت عن القراءة تماما لم تعد تنجذب لها أبدا بل أصبحت اليوم مكتفية فقط بمتابعة "اليوتيوبرز" وتقليدهم، مبينة أنها قررت وبمناسبة عيد ميلادها أن تحاول أن تعيد إليها شغفها مجددا بالقراءة، فرأت أن أجمل هدية قد تهديها إياها هي شراء مجموعة من الكتب والقصص المتنوعة التي من الممكن أن تستهويها كطفلة وقارئة صغيرة شغوفة بمعرفة كل ما هو جديد، لكنها صدمت بردة فعل ابنتها التي لم تلق بالا لهديتها. وهذا بالطبع كأم أشعرها بالقهر والانزعاج باعتبارها شخصيا تقدر القراءة وتجدها سبيلا لتكوين حصيلة كبيرة من المعلومات.
أما الطفلة يارا التي لم تتجاوز السادسة من عمرها، فقد منحتها الجائحة مساحة كبيرة من الوقت لكي تقرأ وتتعلم كل ما هو جديد، مستغلة كل دقيقة في مطالعة كل الكتب التي تنمي مهاراتها اللغوية وتجعلها أقدر على اكتساب عادات إيجابية ومعلومات مهمة تزيدها فائدة ومتعة. فهي ورغم صغر سنها إلا أنها تحرص كثيرا على أن تقرأ باستمرار.
يارا لا تكتفي بالقراءة فقط وإنما أيضا تهتم بأن تتحدث مع أمها عن كل ما تستفيده من تلك الكتب، إضافة إلى أنها تسألها عن كل صغيرة وكبيرة محاولة التأكد من كل شيء وفهمه، استغلالها الجيد لوقتها وتركيز والدتها على نوعية الكتب التي تقرأها أمران في غاية الأهمية، يجعلان منها طفلة مميزة لديها ما يمكنها من أن تكون مختلفة عن غيرها.
وتقول المتخصصة في شؤون كتابة قصص الأطفال ديما الرجبي، إنه في ظل انقطاع الطلبة عن المدارس وإغلاق المراكز الثقافية وإيقاف الأنشطة اللامنهجية، تبقى خيارات الأهالي شحيحة أمام إشغال أوقات أبنائهم بما يعود عليهم بالفائدة، خاصة بما يخص المطالعة الورقية التي بدأت تتحول الى الكترونية نظرا لغياب المكتبات المدرسية والعامة.
وبحكم جائحة كورونا، ينقسم الطلبة بين شغف القراءة الورقية والالكترونية ولخلق التوازن والحفاظ على هذه العادة المهمة في تثقيفهم، يجب على الأهالي الاهتمام بتجويد المطالعة لأبنائهم من خلال دمج الطريقة التقليدية والحديثة في القراءة؛ حيث إن الغاية تكمن في عدم هجرة المطالعة بشكل رئيسي، وأولى الخطوات المتبعة لكسر حاجز هجرة الكتب الورقية هي تزويد المنازل بمكتبة صغيرة وابتياع ما أمكن من القصص المتنوعة التي تراعي أذواق أبنائنا والتي يكثر قراءتها الكترونيا وإبراز متعة القراءة الورقية، وذكر جوانب سلبية للقراءة الالكترونية منها ضعف النظر والتشتت وعدم توفر جميع عناوين القصص التي يحبونها الكترونيا.
ووفق الرجبي، قد لا يستطيع الآباء المحافظة على هذه الجوانب بطريقة سليمة، وذلك بسبب تحول الحياة الى الطابع الفضائي، لذلك من المهم ذكر قصص تخص حياة الآباء ومشاركتها مع أبنائهم بما يخص تجربتهم الشخصية في المطالعة الورقية بطرق تحببهم في خوض هذه التجربة الآمنة مع الكتاب، مع الحرص على عدم تشويه صورة الكتب الافتراضية؛ حيث إن أبناءنا يميلون لتقديس أسلوب حياتهم الافتراضي.
تقريب المسافات بين ما هو تقليدي ومستحدث لهذه الأجيال لا يأتي إلا بالمشاركة والحوار وأخذ دور فعال بتواجدنا معهم أثناء قيامهم بأنشطتهم ما أمكن وخلق تجارب عائلية فعالة مثل حلقات نقاش ومسابقات لإنهاء سلسلة قصص ورقية مختارة، وأيضا من الناجع الذهاب مع أبنائنا الى دور النشر وأكشاك الثقافة لشراء كتب بأنفسهم، فهذه التجربة، إن جعلناها ممتعة، قد تحفزهم لإعادتها وتحببهم في اقتناء الكتب الورقية والموازنة بين شكلي المطالعة، وفق الرجبي.
ويرى الاستشاري التربوي والأسري د.عايش نوايسة، أن الأزمة الأخيرة أفرزت تغيراً كبيراً ومفاجئاً في طبيعة حياة الأطفال في المجتمع وطريقة تعلمهم؛ إذ تغيرت طبيعة الحياة اليومية لهم وأصبحوا نتيجة الإجراءات الحكومية المتعلقة بالدوام عن بعد مجبرين على البقاء بالبيت والتعلم عن بعد، ما أثر كبيراً على توجهات الأطفال في عمليات التعلم التي انحصرت بما توفره المنصات، وغياب الأنشطة اللامنهجية في الجوانب الأدبية والقراءة وغيرها، خاصة وأن الآباء والأمهات غير قادرين على توجيه الأبناء نحو القراءة في ظل سطوة وحضور التقنيات الإلكترونية وما رافقها من تطبيقات وألعاب مختلفة.
إن الطريقة المثلى في التعامل مع الأبناء من قبل الآباء في ظل البقاء في البيت، في مثل هذا الظروف، تتمثل في التقرب منهم ومشاركتهم أفكارهم وألعابهم وتشجيعهم على الجوانب الإيجابية في الحياة مثل القراءة وتعليمهم الصلاة والألعاب المفيدة مثل الشطرنج، ولا بد من الحد من استخدامهم الإنترنت بشكل كبير، والاستفادة من الوقت المتاح في التقرب من الأبناء وبناء علاقة إيجابية معهم، وفق نوايسة.
ويؤكد الخبراء والتربويون دائما ضرورة تحفيز الأطفال على القراءة والمطالعة، وهذا ما تم نقاشه مؤخرا خلال اختتام أعمال الدورة السابعة من "مؤتمر المكتبات"، التي نظمتها هيئة الشارقة للكتاب؛ حيث تم تنظيم جلستين حواريتين، قدمت الأولى أماندا جينتاوت، أمين مكتبة أكاديمية دبي الأميركية، تحت عنوان "كيف تحافظ على تفاعل الطلاب"، فيما قدم الثانية تحت عنوان "توسيع دور أمناء المكتبات المدرسية في التعلم الافتراضي"، سعيد خالد، أمين مكتبة مدرسة ابن خلدون الوطنية في البحرين.
وأكدت أماندا جينتاوت ضرورة الاستفادة من الأوقات التي تتيحها الأزمات، وتوفير مصادر القراءة والاطلاع للطلبة، من خلال نوادي القراءة، وإشراك الطلبة في معرفة وفهم الخدمات التي توفرها المكتبات المدرسية، وبناء علاقات مهنية تعزز من الثقة والمصداقية بين المعلمين والطلبة.
وأوضحت الأهمية التي ينطوي عليها وجود فرق التربية الاجتماعية والإرشادية في المدارس، وضرورة العمل على تطوير أدوات التواصل مع الطلبة وإشراكهم مع التطلعات والأهداف التي تسعى المدرسة إلى تحقيقها، عبر إطلاعهم على مصادر المعلومات التي تقدمها ورش التدريب والتعليم التي تتيحها الفيديوهات المرئية، وما تقدمه منصة "يوتيوب".
وبدوره، تطرق سعيد خالد، خلال جلسته، إلى أهمية توسيع دور أمناء المكتبات المدرسية في التعليم الافتراضي، ودعم الطلاب والمعلمين، وتطوير المناهج الدراسية، لا سيما أن دور أمناء المكتبات لا يتغير، فيما يتغير الشكل والآليات والوسائل التي يؤدون بها مهامهم سواء في العملية التعليمية الواقعية أو الافتراضية.
وعرف خالد أمين المكتبة بالشخص الذي يمتلك قدرات ومهارات خاصة، تتضمن المعرفة بالمواد التعليمية وكيفية إدارتها والتعامل معها، بهدف توسيع نطاق خدمة المكتبة، وتدعيم وإثراء المناهج الدراسية.
وبين خالد أن دور أمين المكتبة يتطلب دعم الطلبة معرفياً وتنمية مواهبهم، وتوفير المصادر الإلكترونية للمكتبة المدرسية من خلال الاشتراكات، والمصادر المفتوحة، وإنشاء المحتوى الإلكتروني الخاص، وتفعيل منصات القراءة، وقاعدة البيانات، وتزويد الاشتراكات بما تتيحه الميزانية المدرسية، والبحث عن الخيارات المناسبة للطلاب.
وحول طرق وأساليب توفير أمين المكتبة الدعم للطلبة والمعلمين في بيئة التعليم الافتراضية، أكد أن ذلك يستدعي فهم طبيعة المستفيدين، وتلبية احتياجاتهم، وتطوير مهاراتهم، والحرص على تنظيم الأنشطة الافتراضية، بهدف تطوير نظام التعليم عن بعد، وتنمية قدرات الطالب والمعلم، إلى جانب توفير مصادر المعلومات، فضلاً عن تقديم الدعم الفني، بهدف تطوير قدراتهم للتعامل مع المصادر الرقمية، ومهارات البحث، وتوثيق المعلومات.
وفيما يتعلق بالمنهج وتمكين المعلم من شرح فصوله أمام الطلبة، أوضح خالد أن من ضمن مهام أمين المكتبة توفير مصادر ترتبط بالمنهج، ووضع استراتيجيات متطورة في أساليب تدريسه، وإنشاء مجموعات خاصة بوحداته ذات مداخل واضحة وتحتوي على مصادر إلكترونية موثقة، فضلاً عن متابعة الإجراءات المتعلقة بتحقيق أهدافه.