التعليم عن بعد.. تطبيقات قضائية مقارنة

تساؤلات كثيرة تطرح منذ بداية تفشي وباء كورونا المستجد حول مدى إمكانية الطعن قضائيًا بالقرارات الصادرة لمواجهة هذه المرحلة الطارئة والمعقدة في الوقت ذاته التي مست حياة الأفراد الاجتماعية أو الاقتصادية أو التعليمية على حدّ سواء. في الوقت الذي ما تزال هذه التساؤلات تطرح، فإن هناك دولا خاضت هذه التجربة؛ حيث قام الأفراد برفع العديد من الدعاوى أو التقدم بالطلبات المستعجلة لوقف بعض القرارات أو إلغائها. ومن المفيد الاطلاع على تجارب هذه الدول وخاصة فيما يتعلق بالتعليم عن بعد؛ الذي يثير جدلًا واشكاليات في العالم أجمع ويشكل مصدر قلق للآباء والأمهات نظرًا لآثاره السلبية على الأطفال في المستقبل القريب والبعيد. من أبرز هذه التطبيقات خلص القاضي في إحدى الولايات الأميركية إلى انّه في الوقت الذي يشكل فيروس كورونا خطرًا يلحق الأذى بالمدعين (أصحاب الدعوى القضائية) وبالموظفين والطلبة، إلا أنّ هناك مخاطر أيضًا قد تنجم عن إغلاق المدارس، ولا يمكن للمنطقة التعليمية اثبات أن الأضرار التي يشتكون منها تفوق تلك التي قد يتعرض لها الطلبة إذا سمح للمدارس بالإغلاق إلى أجل غير مسمى. ويعود أصل هذه القضية إلى أن المنطقة التعليمية رفعت دعوى قضائية تطالب فيها بإلغاء القرار الصادر والذي يفرض على المدارس جميعها عقد ما لا يقل عن نصف فصولها الدراسية بنظام الحضور الشخصي ما لم تحصل على إعفاء أو تصريح من حاكم الولاية بغير ذلك. وفي إحدى المقاطعات الكندية التي اعتمدت خطة للتعليم أثناء جائحة كورونا تتمثل بإلزام الطلبة بالحضور إلى المدرسة إلا في حالة وجود تقرير طبي يتضمن وجود مخاطر صحية تحول دون التحاق الطفل بالمدرسة أو في حالة أولئك الأطفال الذين يخضعون لإجراءات العزل. على إثر ذلك تقدم مجموعة من أولياء الطلبة في تلك المقاطعة بدعوى يطالبون خلالها بإعفاء أبنائهم من الحضور إلى المدرسة لأن الفصول الدراسية تنطوي على أخطار صحية في ظل جائحة كورونا مطالبين بالسماح لأطفالهم بالحصول على التعليم عن بعد وتوسيع نطاق هذا النوع من التعليم ، رفضت المحكمة هذا الطلب المستعجل الذي تقدم به أولياء أمور الطلبة؛ مستندة إلى أنّ التعليم عن بعد أثناء فترة انتشار وباء كورونا المستجد لا يحقق المصلحة العامة وأنه ينطوي على مخاطر أيضا بالنسبة للأطفال، مشيرة الى أن الخبراء والمسؤولين الحكوميين أكدوا على أهمية التعلم داخل الفصل الدراسي ودوره في الحصول على نوعية تعليم افضل ودوره المحوري ايضا في التنمية النفسية والاجتماعية للاطفال، كما استندت المحكمة في قرارها الى محدودية حالات تفشي المرض داخل المدارس مع الأخذ بعين الاعتبار عدم اليقين بشأن انتقال فيروس كورونا ومدى خطورة المرض. وفي حكم آخر صادر عن إحدى المحاكم في مقاطعة أخرى في كندا حكم القاضي لصالح الأم (المطلقة) التي تقدمت بطلب لعودة ابنها الذي يبلغ من العمر تسعة اعوام الى المدرسة ليتلقى تعليمه عن قرب وذلك رغم رفض والد الطفل، حيث اشارت والدة الطفل في الدعوى المقدمة من قبلها الى صعوبة حصول الطفل على التعليم اللازم من خلال التعليم عن بعد، بالإضافة الى ان الطفل أصبح يعاني من العزلة الاجتماعية، وقد صدر الحكم مشيرا إلى أنه في الوقت الذي يجمع فيه المختصون على أنه ليس من الآمن تماما وبشكل مطلق العودة الى الصفوف الدراسية إلا أنه تتم موازنة هذه المخاطر مع احتياجات الأطفال النفسية والاجتماعية والدراسية في آن واحد، كما اشار الحكم الى أنه لا تلوح في الأفق نهاية واضحة لهذا الوباء وعليه لا يوجد دليل على الوقت الذي ستكون فيه عودة الأطفال آمنة بصورة كاملة. هذه مجموعة من التطبيقات التي أخذ القضاء فيها على عاتقه مهمة الموازنة بين مجموعة من المصالح المتضاربة، وصولا إلى تغليب المصلحة العامة أو العليا. ويبقى القضاء دائما خط الدفاع الأول والآلية الوطنيّة الأسمى لحماية حقوق الإنسان في أي دولة كانت وفي أي ظرف كان.اضافة اعلان