‘‘التعليم غير النظامي‘‘ برنامج يستوعب الطلاب المنقطعين عن الدراسة

الزميلة بيبرس خلال زيارة غرفة صفية في قرية مليح جنوب محافظة مادبا - (الغد)
الزميلة بيبرس خلال زيارة غرفة صفية في قرية مليح جنوب محافظة مادبا - (الغد)

سماح بيبرس

مادبا - في قرية مليح جنوب محافظة مادبا وجد شباب وشابات توقفوا عن الدراسة قبل سنوات ضالتهم في العودة الى المقاعد الدراسية بعد أن فقدوا حقهم في استكمال دراستهم نتيجة لظروف مختلفة.اضافة اعلان
في غرفة صفية مؤثثة ومزودة بكل ما يحتاجه المعلم والطالب من أدوات وأجهزة حديثة، تقوم المعلمة ضياء هواوشة بتقديم كل ما لديها من خبرة لتعليم فتيات تتراوح أعمارهن بين (13-21) تركن الدراسة لأسباب عدة يتمحور معظمها حول ضعف التحصيل الدراسي والفقر وثقافة الأهل.
في غرفة أخرى في مدرسة قريبة كان الأستاذ نائل قبيلات يوجه طلبته الشباب ويشجعهم لأن يكون لديهم هدف في الحياة يسعون لتحقيقه مهما كانت الظروف، ويعلمهم الاصرار وطرق تحدي الظروف محاولا أن يبني معهم أساسا علميا قد يساعدهم على تكملة دراستهم، علما أنّ غالبية هؤلاء الشباب تقدر أعمارهم بين (13-19) وقد توقفوا عن الدراسة بعد رسوبهم في صف العاشر.
الأستاذان ؛ ضياء ونائل يقدمان لهؤلاء الشباب ممن هم "خارج التعليم النظامي" هذه الفرصة ضمن "برنامج التعليم غير النظامي" المطبق من قبل وزارة التربية والتعليم والمدعوم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
ويهدف هذا البرنامج إلى استيعاب فئات الطلبة المتسربين من المدارس والمنقطعين عن التعليم النظامي لكلا الجنسين من الفئات العمرية ما بين 13 و 20 عاما، وإعطائهم فرصة تعليمية ثانية وإكسابهم المهارات والمعارف التعليمية الأساسية التي تؤهلهم نحو الاندماج في الحياة العامة بقوة واقتدار وكفاءة ليكونوا أفرادا منتجين في المجتمع؛ من خلال مناهج خاصة معدة من قبل وزارة التربية يقوم بتدريسها كوادر تعليمية ميسرة من الوزارة مؤهلة ببرامج علمية إضافية خاصة بالتعامل مع فئات المتسربين.
ما يميز هذا البرنامج هو المنهاج وطرق التدريس المعتمدة لايصال المعلومة حيث تمّ الاعتماد على منهج مصمم خصيصا لمثل هذه الفئة من الشباب على انّه شبيه بمناهج تعطى في مدارس دولية، جعلت من هؤلاء الشباب راغبين في العودة الى  المقاعد الدراسية بالدرجة الاولى وقادرين على استيعاب المعلومة وهضمها بالدرجة الثانية.
منهجية التعلم التشاركي هي المنهجية التي تمّ اعتمادها في هذا المشروع وهي منهجية تعتمد على " الحوار من اجل التربية والتنمية إذ تنطلق من المهارات المتبقية الموجودة لدى الملتحقين (الذين هم متسربون من التعليم النظامي) كأساس لاحترام كينونة الملتحق".
تنفذ هذه المنجية في الغرف الصفية بالتعاون مع ميسري برنامج تعزيز الثقافة للمتسربين من خلال مبدأ ( حاور – استمع – ثم اكتب).
ويتم الموضوع عن طريق استحداث قصة ( والتي هي في الغالب تشكل حالة استفزازية لدى الدارسين) إذ يتولد حوار ومنه يصدر نص مُولد يجب أن يتفق عليه مجموعة الدارسين (حتى يتم تبني المعرفة من قبلهم) ومن ثم يتم تحليل هذا النص إلى مادة اللغة العربية او الرياضيات او العلوم بناء على ما تبقى من معرفة لدى الملتحقين، توثق المعلومات التى اكتسبها الطالب عن طريق مجموعات عمل حتى يعرف الدارس انه استوعب معلومة جديدة (تبني المعرفة).
ويخضع الطلاب في هذا البرنامج المصمم من قبل "كويس سكوب" الى 3 مستويات ؛ الأول من الاول الى الرابع والثاني من الخامس الى السابع، والثالث من الثامن الى العاشر، ويحصل الطلبة على شهادة تعادل شهادة اللصف العاشر ليتحول الطلاب فيما بعد إما الى التدريب المهني أو التعليم المنزلي.
في الغرفة الصفية المخصصة للإناث في مدرسة مليح الثانوية للبنات نستمع لقصص عديدة؛ فهذه أحلام تروي قصتها فقد خُطِبَت للزواج  في 2014 عندما كانت في الصف التاسع وتركت المدرسة "لان البنت نهايتها لبيتها وزوجها" كما تقول ؛ لكنها وبعد عامين فسخت خطوبتها وعادت للمدرسة، لكنها لم تنسجم ووجدت نفسها غريبة عن زميلاتها الأصغر منها.
وتقول أحلام "لم أنسجم مع زميلاتي بعد ما تركت سنتين، فصديقاتي صرن بصفوف أعلى وأنا بقيت مع الصغار".
تفكر أحلام التي برزت لديها موهبة كتابة الشعر البدوي والقائه بأن تكمل دراستها مع هذا البرنامج وتطمح الى أن تكمل في "التدريب المهني" ومن ثم تستكمل دراستها حتى التوجيهي.
بيان (19 عاما) وشيرين (20 عاما) اختان لم تدخلا المدرسة أصلا، فوالدهما قرر أن لا يرسل بناته الخمس الى المدرسة حتى لا ينفتحن على العالم الخارجي من منطلق أنّ "البنت للبيت".
وبعد محاولات كل من "ضياء ونايل" لاقناع الأب وطمأنته بأنّ تدريس بناته لن يؤثر عليهن ولن يضرهم اقتنع بارسال ابنتين من أصل الخمسة حتى يستطعن القراءة على الأقل.
أما الطالبة عصرية فجاءت الى الأردن مع أخيها بعد الحرب في سورية، وانتسبت الى المدرسة لكنها "لم تنسجم أيضا"، فقررت منذ عامين أن تتوقف وتجلس في المنزل.
تقول عصرية "أنا غريبة حتى في المدرسة، وصار مشاكل مع البنات" فقررت أن أخرج حتى لا أدخل بمشاكل.
اما أسيل فقد ذكرت وهي في عمر الـ16 سبب خروجها من المدرسة كانت "معلمة الرياضيات" وهي تقول إن "المعلمة كانت دائما تستقوي علي" ولم أستطع أن أشكي للمديرة أو أن أقول لأهلي عن مشاكلي في المدرسة لـ"أنني لا أحب أن آتي بالمشاكل لأهلي".
أسيل التي بدت شخصية خجولة جدا أكدت أيضا أنها "لم تستطع أن تغير المدرسة لانها كانت الأقرب على البيت" فيما اكدت مدرّستها أنها "من عائلة فقيرة لا تستطيع أن تدفع تكاليف المواصلات للذهاب لمدرسة أبعد".
الباحثة المجتمعية هواوشة (زوجة نائل) لخصت أهم أسباب خروج الفتيات من التعليم التظامي فكان على رأسها الفقر والعوز حيث كثير من العائلات يخرجن بناتهن للعمل في المزارع، كما أن هناك أسباب اجتماعية ثقافية تتعلّق بنظرة المجتمع للبنت  والتي يتم تزويجها بعمر مبكر أو أنها تمنع أصلا من الذهاب للمدرسة، كما أنّ هناك أسبابا تتعلق ببيئة المدارس والتي تنفّر الطالبات من المدرسة ومن متابعة التعليم.
وتؤكد الهواوشة؛ أنّ البيئة الصفية هي بالدرجة الأولى ما تشجع البنات على الاستمرار في حضور الحصص، اضافة الى طريقة التدريس التي أثرت فيهن وساهمت في اخراج طاقاتهنّ ومواهبهن وأثبتت قدرتهن على الاستمرار في التعلم.
وتقوم هواوشة بالاضافة الى قيام التدريس بدور كبير في اقناع الأهل والطالبات للعودة الى المدرسة، والاستمرار في التعليم، فهي تتمتع بمصداقية عالية من أبناء منطقتها.
وفي مدرسة الاستقلال الأساسية للذكور كانت هناك غرفة صفية أخرى "تحتضن" شباب المنطقة الذين لم يكملوا دراستهم لأسباب تركز معظمها حول الفقر وضعف الطلاب الكاديمي  حيث أنّ معظمهم توقف بعد فشله في امتحانات العاشر أكثر من مرة ليفضلوا التوقف والبدء بالبحث عن عمل.
ليث الشياب خرج من المدرسة قبل عامين بعد أن رسب في امتحان العاشر، حيث حاول أن يعيد تقديم الامتحانات لكنه فشل مرة أخرى، فقرر فيما بعد أن يعمل في مجال الحلاقة ليحصل على دورة تدريبية في عمان ثم قام بفتح محل حلاقة في المنطقة.
وعن سبب مجيئه الى الحلقات الصفية يقول ليث "هون مختلف عن المدرسة ، يتعامل معنا المدرس كأخ وصديق، والتعلم هنا مريح نفسيا وممتع".
 ويضيف "هنا نجد من يستمع لنا ويشاركنا همومنا ومشاكلنا، كما اننا نتعلم بطريقة ممتعة دون الشعور بأي عبء".
معظم الشباب المتواجدين في الحصة كانوا زملاء لليث في المدرسة وخرجوا جميعا لنفس السبب وهو فشلهم لأن يتعدوا امتحانات العاشر دون جدوى.
اليوم يؤكد هؤلاء الشباب أن لكل واحد مهم هدفا وطموحا؛ فنورس الجبارات الذي يعمل حاليا في مخبز يريد أن يلتحق بالجيش وصالح العليوات سيكمل الجامعة وموسى السواعدة وغيرهم يريد أن يلتحق بالتدريب المهني.
أستاذ هؤلاء الشباب "الميسر" كما يعرفه البرنامج نائل قبيلات هو يؤكد أنّ هذا البرنامج يساهم في حماية هؤلاء الشباب من الانخراط في الخطأ والجريمة، ويساعدهم على تحديد أهدافهم والعمل على تحقيقها بدون استسلام.
الطريقة المتبعة في التدريس تركز –وفق قبيلات- على الحوار وتنمية الشخصية واكسابهم مهارات التفكير والبحث، وهي طريقة ساهمت بشكل كبير في جذب الشباب الى هذا البرنامج.
وبين أنّ هذا البرنامج ينقذ الشباب ويشغلهم عن الكثير من التصرفات كشرب المخدرات والسرقة وغيرها.
وطالب قبيلات بضرورة تعديل التشريعات التربوية  لمصلحة الطلاب  التي تسهل عملية رجوع الطلاب المنقطعين الى المدرسة  وتعطي فرصة لأولائك ممن هم فوق 18 عاما أن يعودوا الى التعليم غير النظامي.
ويرى قبيلات أنّ الطالب يأتي من بيئات مختلفة تحتاج الى الدعم النفسي والاجتماعي ويجب التعامل معهم بطريقة تجعلهم راغبين في القدوم الى الحصص ويضيف "هنا لا بدّ أن يكون لدينا اساليب مختلفة من اللعب والترويح عن النفس وممارسة الرياضة والرحلات والانشطة اللامنهجية أي الوصول الى التعليم من خلال الطرق اللامنهجية، خصوصا أنّ سببا رئيسيا من الأسباب التي أدت الى نفور هؤلاء الطلاب من المدرسة هو الواجبات والالتزامات".
وأكد قبيلات أنّ هذا المنهاج " لا بدّ أن يعمم على كل المدارس وحتى على التعليم النظامي بتغيير أساليب المعلمين في اعطاء المعلومة والتعامل مع الاطفال".
وقال "كثيرا من الطلاب تغيروا وأصبح لديهم هدف في الحياة، وبدؤوا يفكرون بأنّ التعليم والشهادة هو وسيلتهم لتحقيق هذه الاهداف".
ويقوم قبيلات وهو أصلا مدرس وناشط وعضو في كثير من الجمعيات ويعمل متطوعا في وزارة الاوقاف باقناع الشباب بالعودة الى الدراسة ومتابعتهم وتشجيعهم على ذلك.
مدير المدرسة زيد القطيش والذي كان له دور كبير في تسهيل مهمة البرنامج قال "هذا البرنامج فيه فائدة كبيرة للطلاب خصوصا أنّ الطلاب المتسربين هم من الأشخاص الذين لديهم ضعف دراسي أصلا او ظروف اجتماعية في البيت".
ويرى القطيش أنّ هذه التجربة لا بدّ أن تعمم على التعليم النظامي لانها أثبتت فاعليتها مع الطلاب، مشيرا الى أنّ الاعداد الكبيرة للطلاب لن تتاح لهم الفرصة لأن يثبتوا أنفسهم وأن يتلقوا تعليما بهذا المستوى.
ويستهدف برنامج التعليم غير النظامي الطلبة المتسربين من المدارس من خلال 28 مركزا جديدا في مختلف مناطق المملكة وبتكلفة 4.7 مليون دولار.
وسيشمل البرنامج الذي تموله الوكالة إقامة 28 مركزا جديدا في مدارس المملكة لتضم 1680 طالبا إضافيا وتعزيز إدارة البرنامج في 88 مركزا وتدريب 230 ميسرا.