التعليم والصحة والنقل

لا غرابة في أن ينظر الأردنيون إلى ثلاثية التعليم والصحة والنقل، وهي القطاعات الأكثر استنزافاً لميزانياتهم، ليجدوا أن القرن الماضي كان أفضل حالاً بالنسبة لهم. اضافة اعلان
في التعليم، ثمة حرص شديد من المقتدرين -إن جاز التعبير- على الدفع بأبنائهم نحو ارتياد المدارس الخاصة، لأن التعليم يشكل أفضل ميراث يتركونه لهم لدخول معترك الحياة. وتشكل كلفة التعليم العبء الأول والضروري الذي يثقل كاهل الآباء والأمهات.
وفي الصحة، يضطر الناس إلى الاشتراك في التأمين الصحي هرباً من مستشفيات القطاع العام. ورغم ضخامة الإنفاق الحكومي، فإن خدمات تلك المرافق ما تزال بعيدة عن الجودة المطلوبة. وقد أصبح القطاع الخاص الطبي يظهر رغبة أكبر في كسب المال وتعظيم الربح. ولا يجد المواطن مناصاً من الدفع، خصوصاً عندما يتقدم به العمر بعد تقاعده، علّ أوجاع كبر السن لا تأتي مصحوبة بالإذلال بعد أن قضى عمره في الكد والعمل.
وفي النقل، يضطر المواطن إلى شراء سيارة خاصة، حرصاً على وقته وأعصابه، والتي تفرخ أخرى لزوجته العاملة، ثم تمتد لابن او ابنين. وينتهي المطاف بامتلاك كل فرد سيارة خاصة هرباً من المواصلات العامة الرديئة. ويأتي ذلك دائماً على حساب الأقساط والقروض وعجز المداخيل، ويتم تمويله بالبطاقات الائتمانية وغيرها، بما يضع المواطن في دوامة طاحنة.
وما تزال هذه الأحوال مستمرة ومرشحة للبقاء، في ظل عجز عن التفكير والتخطيط الاستراتيجي. ولن يأتي الحل من تمرير قرار هنا وآخر هناك لجلب الإيرادات والاتكال على فرص قدَرية لتحقيق نمو يوازي أو يفوق السبعة بالمئة لامتصاص النمو غير الطبيعي لعدد السكان، أو خفض حجم المديونية استنادا إلى الناتج. إن المسألة أعمق وأكبر، وتحتاج إلى بناء هياكل وفرص استثمارية حقيقية داخل الاقتصاد بدلاً من نقاش يصب فقط في تلفيق حلول قصيرة الأمد.
في الوقت الراهن، تسعى الحكومة إلى تمرير قانون ضريبة الدخل وتقليص الإعفاءات كحل مؤقت للمشكلة في إطار التغيرات المحلية والإقليمية. ولكن، ما الذي يمكن عمله لحل المشكلة لعقد قادم؟
في ضوء المعطيات الحالية، ينبغي التفكير بطريقة شمولية لتخفيف حدة الضغوطات الاقتصادية على المواطنين، وتحصيل أفضل الإيرادات المستهدفة للخزينة، مع تحسين حياة المواطنين في المدى المتوسط والطويل. وهذا هو ما يطلبه جلالة الملك عبدالله الثاني من كافة الحكومات. فهل من آفاق لترجمة تلك الرؤى إلى واقع محسوس؟