التعليم والعمل والطمأنينة

عمر الطويل

هذا ما نص المشرع عليه في المادة السادسة من الدستور الأردني في الفقرة الثالثة منه، تكفل الدولة التعليم والعمل وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص، ومنذ بدء الدولة الأردنية وكان هذا الملف على رأس أولوياتها، «فالإنسان أغلى ما نملك» كانت الفلسفة الأردنية التي رسمت لجميع الحكومات طريق الاستثمار الفعلي في العلم والتعليم كي يصبح المواطن الأردني مميزا في علمه وإنتاجه وفكره وحضوره وإنجازه، وظهر ذلك في الأجيال السابقة حيث صدرنا المهارات والأيدي العاملة وبنينا وعلمنا من حولنا، فكان منا المدرس والمهندس والمحامي والقاضي والطبيب والمحاسب والتقني والعامل وكان حضورنا عامرا.اضافة اعلان
كما أن الأصل في التعليم أن يكون مجانيا، وتكفل الدولة حق التعليم للجميع ، وهذه أيضا يا سادة «فلسفة الدولة التربوية والتعليمية»، وحين ظهرت مؤسسات التعليم الخاص، ظهرت بشكل استثنائي على القاعدة المجانية، وتخفيفا على التعليم الحكومي ولتقديم تعليم نوعي مختلف يصب بالنتيجة الى تحقيق نظرية «الإنسان أغلى ما نملك» ويصب في فلسفة الأردن التربوية المجانية والنهوض بمستوى الطالب والمجتمع المحلي، فلم تكن الفكرة من التعليم الخاص هي للتمييز بين أولياء الأمور في العرق واللون والمال واللغة، ولم تكن رخصة لأولياء الأمور في التكتل في مجتمعات مغلقة والبعد عن المجتمع المحلي ، ولم تكن فكرة التعليم الخاص أيضا للتباهي بالرفاهيات كالفنادق، هذا نجمة وهذا خمسة وذاك أقل وهذا أكثر، بل كانت للارتقاء بالتعليم والتربية والالتزام بفلسفة التربية والتعليم المنصوص عليها في القانون وللنهوض بالمجتمع.
رأيت أن أبدأ بهذا التأسيس القانوني الفقهي الذي كان وما يزال أساس الفكر التربوي والتعليمي، نبني عليه أفكارنا ونطور فيه أولادنا ولا نحيد عنه، ولا نسقط في النظر الى المؤسسات التربوية والتعليمية بناء على الربح المادي والفخامة المعمارية، فلا نترك المال يقرر ساعات الدوام، أو رفع الاقساط، أو أحقية الطلاب في الانضمام الى مدرسة ما من عدمه، المال والتربية إذا اجتمعا في صرح واحد دون إشراف ومتابعة، فسد الحال وانهار المجتمع.
ومن هذا المنطلق أيضا، إن تسجيل أي مؤسسة تعليمية على أساس ربحي يعتبر حيادا عن الطريق السليم، فيجب أن يكون الهدف الرئيسي لأي مؤسسة تعليمية ، هو الوقع الاجتماعي والتربوي والتعليمي الذي تتركه سواء في نفس الطالب أو في مكان إنشائها أو في المجتمع المحلي، لا للقياس المادي، لا يجوز أن يصح ولا يستوي أن يكون هدف مالك المؤسسة التعليمية هدفا ربحيا، بل لا بد من وضع فكر مجتمعي تربوي وتعليمي يقاس عليه إنجازه.
اليوم في خضم التعافي من أزمة كورونا، ظهرت كل هذه التشوهات على وجه الارض، فجميع المشاركين في العملية التعليمية ينظرون اليها بالدرهم والدينار سواء كانوا أولياء أمور أو مؤسسات تعليمية، فهكذا ربحنا وهكذا خسرنا، تستحقون خصما أو لا تستحقون، كله يدور في فلك الربح والخسارة، ولم أسمع أحدا يضع فكرة «مستوى التعليم» في الميزان، ولم نجد من يقدم المنهاج بشكل يسهل هضمه أو يسهل تقديمه الكترونيا، لم يأت رياديو الفكر بأي حل في طريقة الإلقاء، بل جميعهم تسارعوا لتقديم حلول تساهم في سهولة الشبك والاتصال التقني ويا ليتهم نجحوا. هل رأيتم التشوه بعد؟
حين عدنا للقوانين الناظمة للعملية التعليمية والتربوية، وجدناها تشريعات جميلة، سهلة القياس، عميقة الفلسفة، تعطي الدولة اليد العليا في الإشراف والتنظيم ومعاقبة أوتزكية المؤسسات التعليمية الخاصة، وجدنا نصوصا آمرة ونظاما عاما لا يجوز مخالفته؛ مثل الزيادة السنوية للأقساط، ووجدنا نصوصا رادعة لمن يهدد الناس بفلذات أكبادهم. فللوزير أن يلغي ترخيص مؤسسة تعليمية خاصة، وبيده تحويلها للمحكمة لتفرض عليها غرامة من عشرة آلاف الى مائة ألف، الوزارة لديها سلطة وولاية لا يمكن تجاهلها إلا منها.
هل ستقوم باستخدامها؟ هل ستفرض ولايتها على المؤسسات التعليمية وتنصف أولياء الأمور والطلبة؟ هل سنحتاج إلى أمر دفاع كل ما دق الكوز في الجرة؟ ألا تكفي تشريعاتنا ؟ أرأيتم التشوه؟