التفافة على شفا الهاوية

دبابة اسرائيلية تقوم بحراسة كيبوتس ناحال عوز القريب من قطاع غزة -( ا ف ب )
دبابة اسرائيلية تقوم بحراسة كيبوتس ناحال عوز القريب من قطاع غزة -( ا ف ب )

هآرتس

عاموس هارئيل

22/7/2018

موت الجندي الإسرائيلي على حدود القطاع للمرة الاولى منذ اربع سنوات، وقصف مواقع القيادات لحماس، وخلافا لذلك اعلانات تهديدية لسياسيين واستوديوهات مفتوحة في قنوات التلفزيون، كل ذلك يبدو دلائل مسبقة لعملية عسكرية واسعة متوقعة في قطاع غزة. ولكن العملية ما زالت غير موجودة هنا. وتدل على ذلك السرعة التي وافق فيها الفلسطينيون على اقتراح مصر والامم المتحدة على وقف اطلاق النار.اضافة اعلان
هذا الامر ظهر أيضا في طبيعة النشاط العسكري للطرفين. إسرائيل حقا قصفت قيادات كتائب لحماس، لكنها كانت حذرة من المس بالقادة. حماس امتنعت عن اطلاق الصواريخ، بالتأكيد ليس إلى عمق الاراضي الإسرائيلية، حتى بعد أن تلقت الضرب. النتيجة هي التفافة حدوة حصان على شفا الهاوية، الحرب منعت، لكن ربما فقط في الوقت الحالي.
الحادثة على الجدار أول أمس بعد الظهر، مرتبطة كما يبدو بأحداث اليوم السابق. في يوم الخميس اطلق سلاح الجو النار على خلية اطلقت الطائرات الورقية قرب موقع قريب لحماس من الحدود في جنوب القطاع. احد نشطاء الذراع العسكري لحماس قتل. وهددت حماس بالانتقام. في اليوم التالي وخلال مظاهرات في شرق خانيونس اطلق قناص فلسطيني النار على جندي إسرائيلي قرب الجدار. الجندي أفيف ليفي مات متأثرا بجراحه بعد فترة قصيرة، واصبح الإسرائيلي الاول الذي قتل على حدود القطاع منذ انتهاء عملية الجرف الصامد.
كانت في الحادثة عناصر شاذة يمكنها أن تدل على عملية سرية أو مبادرة محلية، التي ليس بالضرورة حصلت على مصادقة من أعلى.
اطلاق النار حدث في الوقت الذي شارك فيه رئيس حماس اسماعيل هنية في احدى المظاهرات على الجدار، ليس بعيدا من هناك. على الاغلب قادة حماس يريدون الحفاظ على مسافة عن احداث كهذه. أيضا مواقع حماس التي تطل على المكان لم يتم اخلاءها مسبقا. هكذا، عندما رد الجيش الإسرائيلي بنار الدبابات قتل اربعة مسلحين من نشطاء حماس في المواقع الثمانية التي هوجمت.
بعد الحادثة تم عقد جلسة مشاورات بمشاركة رئيس الحكومة ووزير الأمن وكبار ضباط الجيش وجهاز الشاباك. الرد الآخر الذي صودق عليه هو اكثر عنفا من المعتاد: سلاح الجو دمر ثلاث قيادات كتائب للذراع العسكري لحماس. هذه المرة لم يكن هذا قصف عادي حيث كان القادة ليس بامكانهم الانتقال من مكتب إلى آخر إلى حين اعادة ترميمه لأن القيادة كلها دمرت. مع ذلك، الوقت الذي مر بين عملية حماس والرد الإسرائيلي مكن نشطاء حماس من مغادرة مقرات القيادة. وإسرائيل امتنعت عن رفع السقف مرة أخرى، حتى الآن لم تتبع عمليات استهداف الاشخاص، التعرض لحياة كبار رؤساء حماس.
بعد الضربة الاولى للمواقع اطلق نشطاء احد التنظيمات الفلسطينية الذين يسميهم الجيش "المارقين" عدة قذائف هاون على بلدات محيط غزة. ولكن بعد ذلك كان هدوء. حماس ضبطت عناصرها والفلسطينيون امتنعوا تماما عن اطلاق النار على إسرائيل وعلى محيط غزة أو على جنوب البلاد.
في الخلفية تم استخدام ضغط شديد من مصر والامم المتحدة. مبعوث الامم المتحدة إلى المنطقة نيكولاي ملادينوف غرد في تويتر بدعوة مباشرة "إلى الجميع في غزة، يجب التراجع إلى الخلف والابتعاد عن الهاوية، ليس في الغد ولا في الاسبوع القادم، بل فورا". وقد سبق هذا التحذير مكالمة هاتفية مع وزير الأمن هدد فيها ليبرمان بأن استئناف اطلاق الصواريخ من قبل حماس سيؤدي إلى حرب في القطاع.
في منتصف ليلة الجمعة السبت أعلن الفلسطينيون عن وقف اطلاق النار. مبعوث الامم المتحدة والمخابرات المصرية هم الذين يقودون الآن الاتصالات. ودور قطر في الوساطة هامشي جدا.
قتل الجندي وفر ذكرى حزينة، بأن الاحتكاك في قطاع غزة لا يتلخص بالطائرات الورقية والبالونات الحارقة. ولكن الطائرات الورقية يمكنها أن تعود وتشعل النار اليوم أو غدا. حماس تقول للوسطاء بأنها ستعمل على خفض هذه الاحداث، لكنها تدعي أن هذه العملية ستستمر لفترة لأن جزء مما يجري يتم على أيدي خلايا "شعبية" لا تأخذ التعليمات منها. في هذه الاثناء التوتر على الحدود يزداد. ورغم ضبط النفس النسبي لنتنياهو وليبرمان وأيزينكوت (الكابينيت مرة اخرى لم يستدع للتشاور)، فمن الواضح أن مصابين إسرائيليين آخرين سيسرعون اندلاع مواجهة اوسع. تقريبا كل جولة عنف مثل التي حدثت يوم الجمعة، تبدأ بدرجة خطورة أعلى من سابقتها. وفي نفس الوقت يبدأ العد التنازلي قبل الجولة القادمة.
صباح أمس أعلنت قيادة الجبهة الداخلية عن العودة إلى الحياة الروتينية في محيط غزة. هذه هي العلامة المؤكدة على أن إسرائيل تقدر أن التصعيد الحالي أصبح من خلفنا. في هذه الاثناء نشر أول أمس الطاقم السياسي لادارة ترامب في المنطقة مقالا في "واشنطن بوست"، فيه دعوة لحماس لترك طريق الارهاب والتمتع في المقابل بمساعدات اقتصادية كبيرة للقطاع. حماس رفضت هذا الاقتراح السخي نسبيا واتهمت اعضاء الطاقم، صهر الرئيس الأميركي جارد كوشنير والمبعوث جيسون غرينبلات والسفير في إسرائيل ديفيد فريدمان، بأنهم "متحدثون بلسان الجيش الإسرائيلي".
بسبب أنه لا حماس ولا السلطة الفلسطينية (التي تخرب بشكل متعمد كل جهد لاعادة اعمار القطاع) ولا إسرائيل، يخرجون عن اطوارهم لايجاد حل للضائقة الانسانية في غزة، فإن التوتر على الحدود بقي على حاله. وآجلا أم عاجلا هذه الضائقة ستنفجر مرة اخرى. إذا اصبح عدد المصابين أكبر فليس مؤكدا أن تكفي جهود ملادينوف والمصريين من اجل فرض الهدوء بسرعة في المرة القادمة.
في جبهة اخرى، في الشمال، يواصل نظام الأسد اعادة السيطرة على مرتفعات الجولان السورية. مؤخرا جاءت تقارير عن اتفاق استسلام تمت بلورته بين النظام والمتمردين في القنيطرة. وفي نفس الوقت هناك دلائل أولية على عملية للجيش السوري ومؤيدين ضد الجيب الذي تحت سيطرة فرع لداعش في منطقة المثلث الحدودي في الجنوب. في هذه المنطقة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مشابه، فمن المتوقع حدوث مقاومة أشد وهجوم ثقيل للنظام.
"واشنطن بوست" اوردت في نهاية الاسبوع ان الولايات المتحدة تؤيد الصفقة التي تم التوصل اليها بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلادمير بوتين في اللقاء بينهما في موسكو قبل عشرة ايام تقريبا. حسب الصحيفة فإن الرئيس ترامب بارك هذه الصفقة في مؤتمر هلسنكي مع بوتين في الاسبوع الماضي. ترامب نفسه أشار إلى ذلك في المؤتمر الصحفي الذي عقده في البيت الابيض في يوم الخميس الماضي.
أسس الاتفاق هي: عودة الجيش السوري إلى مرتفعات الجولان وفقا لاتفاقات الفصل من العام 1974، التي وقعت في اعقاب حرب يوم الغفران؛ إسرائيل توافق بشكل علني على عودة نظام الأسد إلى الجولان؛ روسيا تهتم بأن يتم ابعاد القوات الإيرانية مسافة 80 كم عن الحدود مع إسرائيل، وبوتين لا يعارض مهاجمة إسرائيل لمواقع إيرانية في جنوب سورية، لا سيما إذا وجهت نحو وسائل قتالية تعرض إسرائيل للخطر مثل الصواريخ بعيدة المدى أو انظمة دفاع جوي.
واشارت الصحيفة إلى التشكك الكبير تجاه قدرة روسيا على الايفاء بتعهداتها بشأن ابعاد الإيرانيين. مدير وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية قال إنه حسب تقديره ليس من المعقول أن تنفذ روسيا كل تعهداتها بخصوص إيران. لهذه المقاربة شركاء أيضا في إسرائيل. هنا أيضا الكثيرون في المستوى المهني يشككون بإمكانية أن تنفذ موسكو تعهداتها طوال الوقت.