التفاهمات المتبلورة مع حماس ترسخها كقوة حاكمة

قوات حماس العسكرية في دورية راجلة بأحد شوارع غزة.-( ا ف ب )
قوات حماس العسكرية في دورية راجلة بأحد شوارع غزة.-( ا ف ب )

هآرتس

تسفي بارئيل

5/8/2018

الكثير من الدخان يخرج مؤخرا من قطاع غزة، القاهرة، القدس ورام الله. الحديث لا يدور فقط عن دخان الحرائق التي تتسبب بها الطائرات الورقية الحارقة، بل عن ستارة كثيفة من التقديرات والتخمينات، بخصوص التفاهمات التي توصلت اليها حماس وإسرائيل ومصر في نهاية الاسبوع. على جدول الاعمال يتم بحث اقتراحين، الاول قدمته مصر، والثاني قدمه مبعوث الامم المتحدة نيكولاي ملادينوف. الاقتراح المصري يضع على رأس سلم الاولويات المصالحة الداخلية الفلسطينية بين حماس ومصر، تبادل أسرى وسجناء، يشمل جثث الجنود، وموافقة على وقف طويل المدى لاطلاق النار. بعد ذلك ستقام حكومة فلسطينية موحدة تعد للانتخابات.اضافة اعلان
اقتراح ملادينوف يركز على المجال الاقتصادي ويضع موضوع تبادل الاسرى على رأس سلم الاولويات. حسب هذا الاقتراح ستسمح إسرائيل بنقل البضائع إلى غزة بمستويات كبيرة، وبتدفق حوالي نصف مليار دولار لتطوير القطاع، اقامة محطات لتحلية المياه، زيادة الكهرباء للقطاع ومنح تصاريح عمل كثيرة لسكان قطاع غزة.
هذان الاقتراحان لا يتناقضان في اساسهما، والواحد يكمل الآخر. قيادة حماس تتبنى المبادئ التي توجههما، لكن الصعوبات كالعادة تكمن في التفاصيل. حماس تعارض ضم الاتفاقات الاقتصادية ووقف اطلاق النار إلى تبادل الاسرى والجثث والسجناء الفلسطينيين. بالنسبة لها هذه مواضيع مختلفة تقتضي نقاشا منفصلا.
موضوع آخر يتعلق بمسألة التمويل، حيث أنه من غير الواضح ما هو مصدر الاموال للتطوير الاقتصادي، خاصة أن مصر تعارض بأن تقوم قطر بالتمويل. الدول المانحة ومنها الولايات المتحدة تستطيع حقا تجنيد المبلغ، لكن الشرط هو أن تكون هناك حكومة مسؤولة، متفق عليها، تستلم الاموال. الشرط يقتضي التوافق بين فتح وحماس، أو أن تكون مصر هي التي تشرف على سبل استثمار التمويل.
مصر تطلب من السلطة الفلسطينية قبول العرض وتسريع عملية المصالحة، لكن محمود عباس طرح 14 تحفظا يمكنها أن تفشل تطبيقها. عباس عين مؤخرا نبيل أبو ردينة نائبا لرئيس الحكومة. وفي حماس يرون ذلك خطوة تدل على معارضته لتشكيل حكومة وحدة جديدة. بدون حكومة وحدة لن تكون مصالحة، وبدون مصالحة ستضطر مصر إلى ان تقرر اذا ما كانت سترفع يديها عن السلطة، وتتحول بنفسها إلى شريك فعال في الاتفاق. قرار مصر بفتح معبر رفح بدون انتظار موافقة السلطة، يدل على أن مصر مستعدة أيضا للتقدم في قناة مستقلة أمام حماس، حتى لو كان تفسير ذلك استمرار القطيعة بين حماس وفتح وخرق اتفاق الرباعية بخصوص تشغيل المعابر.
صمت إسرائيل ازاء تشغيل معبر رفح من قبل مصر، في حين أن إسرائيل نفسها تواصل اغلاق معبر كرم أبو سالم حتى هذا الاسبوع، يوضح أنه حتى لو كانت إسرائيل ما زالت متمسكة بشروط الرباعية ولا ترى في اشراك السلطة في ادارة غزة شرطا اساسيا لفتح المعابر أو رفع الحصار.
يبدو أن استمرار الانقسام بين فتح وحماس يخدم إسرائيل التي تستطيع أن توقف علاقتها مع حماس على عتبات تقنية عسكري،ة بدون اجراء مفاوضات مباشرة معها. وبالتأكيد بدون دفع ثمن سياسي مقابل تنازلات حماس. هذا التقدير يجد تعزيزه امام التدخل النشط لملادينوف في المفاوضات الثلاثية، بعد ان عارضت إسرائيل بشدة في الماضي ليس فقط مبادرات وساطة مع حماس (باستثناء موضوع الاسرى)، بل لمجرد لقاء ممثلين دوليين كبار مع قيادة حماس. إسرائيل طلبت في السابق أن تكون السلطة هي العنوان الحصري لادارة شؤون قطاع غزة، لا سيما عندما عرفت أن السلطة لا يمكنها حقا السيطرة على القطاع. الآن ليس فقط أن إسرائيل تشجع نشاط ملادينوف، بل هي تقوم بنقل مواقفها من خلاله.
هذه السياسة تدل على أن إسرائيل توافق على أن ترى في حماس مسؤولة ليس فقط عن كل نشاط عسكري في غزة، بل جهة حاكمة لها صلاحيات تكون مسؤولة عن تطبيق التفاهمات الاقتصادية والإدارية، اذا تم التوصل اليها. اذا كان هذا ما سيكون نتيجة النقاشات، فإن ذلك يمثل تحولا حقيقيا في نظام العلاقات بين إسرائيل وحماس.
بالنسبة لإسرائيل، مشاركة مصر في ادارة شؤون القطاع، هي نعمة وفرت عليها شن عملية عسكرية واسعة وخطيرة في غزة، لكن سيكون لهذه النعمة ثمن سياسي عندما سيطلب من إسرائيل الاستجابة أيضا لطلبات مصر في كل ما يتعلق بإدارة قطاع غزة وتطبيق الاتفاقات مع حماس.