التفكير من خارج الجدار

بن كاسبيت-معاريف
منذ اندلاع موجة الاضطرابات التي سميت في البداية "الربيع العربي"، امتلأت البلاد بمشورات المستشرقين، المستعربين والخبراء على أنواعهم، والتي السطر الاخير فيها واحد: يجب البدء في التفكير من خارج العلبة. ينبغي الفهم أنه في العصر الراهن – عصر الشبكات الاجتماعية، المكانات والإلصاقات، يجب "مد اليد للعرب من فوق رؤوس زعمائهم وأنظمتهم". لا يوجد أي سبب، كما يقول الخبراء، الا يقيم العرب والإسرائيليون اتصالا في مجال الإنترنت؛ لا يوجد سبب يمنعهم من أن يروا للجماهير العطشى خلف الحدود أنه يوجد هنا "في نطاق الكيان الصهيوني" بشر لا يريدون أن يتناولوهم على وجبة الصباح بل ويمكنهم أن ينفعوهم هنا وهناك. اضافة اعلان
من الحلم، إلى الواقع: أمس أطلقت قوة من الجيش الإسرائيلي فأصابت مواطنا سوريا اقترب من الجدار الحدودي في هضبة الجولان. وهذه ليست حالة اولى من نوعها. التخوف في إسرائيل هو أنه في حمام الدماء في سورية، الذي انتقل منذ زمن بعيد إلى محيط هضبة الجولان، سيطلق الجماهير الجدران: لاجئين فروا للنجاة بأرواحهم او لمجرد سعيهم للوصول إلى مكان آمن نسبيا إلى أن يمر الغضب. أما إسرائيل فانها ترد بالطبع مثلما هي مبرمجة لأن ترد. بفزع، بعصبية، بـ"النار على الأرجل" وبتهديدات صريحة بأن كل من يقترب إلى الجدار، دمه في رقبته. إسرائيل هي كلب بافلوف الذي يسيل لعابه تلقائيا ما إن يسمع رنين الجرس، إذ هكذا عودوه. عرب يقتربون من الجدار؟ أطلقوا النار عليهم. أما أنا بالذات فيخيل لي أن التاريخ وفر لنا فرصة لا تتكرر لعمل شيء آخر، لتحطيم الجمود الفكري المتمثل بجدار واحد عال – عرب في الجانب إياه، يهود مسلحون وخائبون في هذا الجانب. تخيلوا ان إسرائيل فتحت الجدار، اعلنت عن أنها مستعدة لان تستوعب لاجئي حرب، خلقت "ممر آمن" متحكم به وأقامت مخيم لاجئين صغير، متواضع ومتماثل في طرفنا، في هضبة الجولان. الارض لا تنقص هنا. ولا توجد مشكلة في حراسة مثل هذا المكان منعا للتسرب منه إلى داخل البلاد. تخيلوا أنهم في "الجزيرة" سيرفعون تقارير عن اللاجئين السوريين الذين فروا للنجاة بارواحهم يستقبلون بالترحاب في مخيم في الطرف الإسرائيلي من هضبة الجولان. سيكون هناك، في مخيمنا، خيام مرتبة ومستشفى ميداني، وغداء، ومساعدة نفسية، بل وطواقم تساعد على ترفيه الاطفال. نطعمهم ونسقيهم ونحافظ عليهم ونعالجم.
ماذا لا نفعل؟ لا نبعث بسياسيين لالتقاط الصور معهم ونجتهد ألا نرفع علما إسرائيليا أكثر مما ينبغي أمام وجوههم. ببساطة نسير مع التيار. أفترض أن هذا المخيم سيصبح مكانا تلتقط فيه الصور اكثر من أي مكان آخر في الشرق الاوسط، على الاقل على مدى اسبوع على التوالي. محظور ان تكون هناك رسالة سياسية. محظور ان تكون هناك رسالة وطنية. يجب الاجتهاد، خلافا لعادتنا، ألا نجعل هذا مهرجان للربت على كتفنا انفسنا. يجب ببساطة تقديم المساعدة لبني البشر في  الطرف لاخر ليس من أجل الحصول على مقابل ما. بل لمجرد أن هذا صحيح وهذا أخلاقي وهذا محق. وعندما تنتهي المعارك، ينبغي تسريحهم عائدين إلى سوريا، وانهاء كل هذا الامر.
ماذا سيخرج لنا من كل هذا؟ محظور أن نحصي هذا بمقاييس الاملاك او المردودات الفورية. ما سيخرج لنا هو صورة اخرى، مختلفة، تحطم المعادلة التي اعتادت المنطقة جدا عليها منذ عصور. صورة للمدى المتوسط أو البعيد يمكنها أن تساهم في شيء ما في تغيير الفكرة، المفهوم، النموذج الذي نعيشه هم ونحن. ولما كان الملايين سيرون هذا المخيم، حيث يعالج اطباء إسرائيليون (صهاينة!) الآف اللاجئين السوريين، افترض بان بعض ممن سيرون هذه المشاهد في التلفزيون سيبدأ الشك بالثوران. ويحتمل أن يواصلوا الاهتمام حقا بما يجري هنا، في إسرائيل. توجد وسائل بسيطة للاستيضاح ماذا يجري هنا، وكله على مسافة نقرة سريعة على الانترنت. لا حاجة الا لان يرغب المرء، وان يصدق فقط. هكذا نبدأ باحداث التغيير. هذا لا يعني أنني اؤمن بانه في اعقاب هذا الفعل سيعي مئات ملايين العرب ويقعون على اكتافنا بالدموع. حقا لا. ولكن دوما يجب مواصلة المحاولة، ولا سيما عندما يكون هذا جد بسيط، جد مطلوب وجد صحيح، وبثمن زهيد.