التقارب الروسي- الأردني ودرعا

لا توجد تفاصيل متاحة، إعلامياً، عن اللقاء الأخير الذي جمع الملك مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (في موسكو، قبل أيام)؛ فيما إذا تمّ بحث التفاصيل المهمة في التطورات السورية، بخاصة بعد الانتصارات العسكرية للجيش السوري، والاحتمالات المرتبطة بمصير درعا، أم أنّ اللقاء تناول القضايا المجملة، وفيما إذا كانت هناك رسائل وشيفرات حول نوايا الطرفين، إلى آخر الملفات الحيوية والشائكة إقليمياً.اضافة اعلان
إلا أنّ الاجتماع بحدّ ذاته والحوار المستمر بين الدولتين، والعلاقة الشخصية الجيدة بين الملك وبوتين، كل ذلك بمثابة "نمط جديد" من العلاقة الأردنية- الروسية. ولا أبالغ في القول إنّ العلاقة بين الدولتين والتفاهمات بينهما بشأن الملفات الإقليمية تصل إلى مرحلة لم تصلها خلال العقود السابقة.
ما هي المتغيرات الجديدة أو الديناميكيات التي خلقت التقارب الروسي-الأردني الجديد؟
الجواب على ذلك يرتبط برؤية صانع القرار للتدخل الروسي في سورية، الذي أخذ زخماً عسكرياً كبيراً في نهاية أيلول (سبتمبر) 2015. إذ راهن "مطبخ القرار" في عمان على أنّ التدخل الروسي العسكري لا بد أن ينتهي إلى محاولة الوصول إلى تسويات سياسية جدية في سورية، في نهاية المطاف، لأنّ مصلحة الروس تقتضي ذلك. وشارك الأردن روسيا هواجسها من نمو الحركات الإسلامية في سورية، ونظر إلى الدور الروسي بأنّه يخفف من هيمنة إيران على الملف السوري.
في منظور القرار في عمّان، فإنّ المقاربة الروسية واضحة للأردن في سورية، ولم تختلف سياسياً عن مقاربة مطبخنا السياسي، بخاصة في تصوّر المرحلة الانتقالية بوجود نظام الأسد، وبعدم اشتراط رحيله قبل بدء الحل السياسي الواقعي، وبالتحول من النظام الرئاسي إلى البرلماني تدريجياً، عبر تعديلات دستورية وسياسية، مع ضمان "علمانية" الدولة، أو بمعنى آخر، عدم السماح للإسلاميين بالوصول إلى السلطة.
الأهمّ من ذلك أنّ التدخل الروسي جاء ليملأ الفراغ الدولي، في منظور مطبخ القرار، بسبب حالة التردد والعجز وغياب الوضوح عن المقاربة الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. بينما تبدو المؤشرات الأولية على نوايا الإدارة الجديدة نحو تعاون مع الروس وإعطائهم الأولوية في سورية.
على المستوى الإنساني والأخلاقي، فإنّ التدخل الروسي كان كارثياً بمعنى الكلمة، بالنسبة لنا كمراقبين وداعمين لحق الشعب السوري في الحرية والتحرر. لكن بالنسبة لمطبخ القرار في عمّان فإنّ المصالح الاستراتيجية الأردنية ترتبط بموازين القوى على أرض الواقع، وإذا نظرنا إلى أطراف الصراع فإنّ هناك خيارات رئيسة مقلقة؛ الأول هو السيطرة الإيرانية المرتبطة بحزب الله والحساسيات الطائفية، والثاني نمو وصعود نفوذ تنظيم "داعش" في المنطقة (الذي أصبح يمثّل للأردن العدو رقم 1)، وتنظيم جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً). والخيار الثالث هو الفوضى الأهلية والأمنية والحرب الداخلية الطاحنة.
وفقاً لتلك السيناريوهات ولعدم وجود سيناريو –كما كان يقرأ مطبخ القرار في عمان- واقعي يقوم على انتصار المعارضة السياسية وانتقال سياسي هادئ، فإنّ التدخل الروسي كان مفتاحاً للحل وليس للتأزيم في نظر عمان.
تبقى القصة الكبيرة -بالنسبة للأردن- وهي درعا. فمن الواضح أنّ عين النظام السوري والإيرانيين وحزب الله في المحطة التالية، بعد الانتهاء من الغوطة الشرقية وريف دمشق بالكلية، ستكون على الجنوب. ومن المعروف أنّ هناك تفاهمات أردنية-روسية حيّدت الجنوب عسكرياً خلال العام الماضي، فكيف سيتم التعامل معه الآن؛ ماذا يفكّر الطرفان، الروسي والأردني؟
مطبخ القرار –في عمان- ليست لديه مشكلة، بل ربما يفضل، التعامل مع النظام السوري على الحدود. لكنّه يريد تصوراً توافقياً لتجنيب درعا مسلسلا شبيها بحلب، ما سينعكس على الأمن الوطني الأردني. فهل مثل هذا السيناريو ممكن؟!