التقاعد المبكّر.. أزمة حكومة لا مواطن

يعود الحديث والجدل بقوة هذه الأيام حول موضوع التقاعد المبكر بعد إحالة الحكومة مشروع قانون معدل للضمان الاجتماعي، كان من أبرز تعديلاته إلغاء التقاعد المبكر للمشتركين الجدد بعد نفاذ القانون المعدل في حال إقراره دستوريا من مجلس الأمة، وفي ظل تزايد الحديث الرسمي عن استنزاف مخصصات التقاعد المبكر لأموال المؤسسة على المدى الطويل، ما يتطلب – حسب وجهة النظر هذه- الحد منه والتشدد فيه إلى حد الإلغاء عن المشتركين الجدد. والمراقب يلحظ تزايد الإقبال على التقاعد المبكر في السنوات القليلة الأخيرة بصورة لافتة، ما دفع إلى تعديل قانون الضمان الساري المفعول قبل سنوات، باتجاه رفع سن التقاعد المبكر وتعقيد شروطه ومتطلباته، لتأتي التعديلات الجديدة بذات السياق في ظل استمرار الإقبال على هذا التقاعد، واتساع شريحة المستفيدين منه. وتتزامن هذه الإجراءات التشريعية تجاه التقاعد المبكر مع تشديد مؤسسة الضمان من حملاتها التفتيشية واجراءاتها الإدارية والقانونية بحق المخالفين لشروط التقاعد المبكر ممن يعود الكثير منهم لسوق العمل لتحسين دخولهم خاصة مع انخفاض مستوى رواتب التقاعد المبكر لدى أغلب المستفيدين، وعدم قدرتها على مجاراة الارتفاع الفلكي لكلف المعيشة، الأمر الذي يوقع الكثيرين بمخالفات قانونية ويحملهم أعباء قاسية، كما هو حال نحو 160 متقاعدا بصورة مبكرة أعلنت مؤسسة الضمان أمس عن إيقاف رواتبهم التقاعدية لعودتهم للعمل دون إبلاغ المؤسسة. ورغم الإقرار بأن تزايد الإقبال على التقاعد المبكر هو مشكلة حقيقية لأموال الضمان، وأيضا يعكس اختلالات هيكلية في الاقتصاد الوطني وسوق العمل بتحييد نسبة وازنة من القوى العاملة مبكرا وإخراجها من مربع الإنتاج والنشاط الاقتصادي رغم أهليتها للبقاء فيه، فإن المشكلة الأكبر التي يقفز عنها من يخطط ويدير هذا الموضوع هي في عدم مراعاة الظروف الطاردة بسوق العمل وعدم تقديم حلول ومقاربات قانونية وإدارية تعالج أساسات المشكلة التي تدفع لتزايد الإقبال على التقاعد المبكر، وتفاقم من معضلته. انخفاض مستوى الأجور والرواتب في القطاعين العام والخاص، وارتفاع كلف المعيشة بصورة جنونية تدفع الكثيرين إلى الذهاب لخيار التقاعد المبكر ومن ثم البحث عن مصدر دخل آخر لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة. كذلك؛ فإن قانون العمل ينحاز بوضوح لأصحاب العمل في العلاقة مع العامل والموظف، خاصة في حالات الفصل والهيكلة وتحديد الرواتب والأجور، ما يلقي بأعداد متزايدة من العاملين إلى سوق البطالة ويضطرهم مكرهين إلى التقاعد المبكر لتأمين مصدر دخل بالحد الأدنى. في هذا السياق؛ يعد التأمين ضد البطالة لمشتركي الضمان الذي أقر وطبق منذ سنوات قاصرا الى حد كبير عن الحد من الاقبال على التقاعد المبكر، فالضمان يلتزم بدفع رواتب للمتعطل عن العمل لثلاثة أشهر يمكن أن ترتفع إلى ستة أشهر فقط، وهي بلا شك فترة قصيرة ولا تحل مشكلة المتعطلين خاصة في ظل أزمة سوق العمل المركبة من قلة فرص العمل المتولدة وانخفاض مستوى الأجور فيه، ما يعيد المتعطل الى خيار التقاعد المبكر مكرها. دع عنك أيضا عدم التزام الحكومة والضمان حتى الآن بتطبيق التأمين الصحي رغم إقراره من سنوات، ما يفاقم من أعباء المتعطل عن العمل ويقلص من خياراته. وأخيرا؛ يمكن التفكير بالتشدّد في التقاعد المبكر وحتى الوصول إلى إلغائه فقط في حال معالجة الاختلالات الهيكلية بسوق العمل الأردني والاقتصاد الوطني وتحسين مستويات المعيشة والحد من تآكل الأجور وتقديم مقاربات ومعالجات متكاملة وشاملة لهذه المعضلات.. لا أن تكون الحلول والمعالجات فقط على حساب العامل أو الموظف الذي لا ذنب له فيما وصل إليه سوق العمل والاقتصاد الوطني من أزمات.اضافة اعلان